للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّبْشِيرُ يَتَعَاوَنُ مَعَ الصُّهْيُونِيَّةِ:

واستغل المبشرون الصهيونية لأنهم كانوا يتفقون معها في عدائهم للعرب والمسلمين. ولم يصر المبشرون على إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين إلا لأن إنشاؤه يضعف العرب إضعافًا شديدًا ويفتح أبواب فلسطين العربية أمام التبشير، وإلا لأن فلسطين إحدى نقاط الهجوم على العالم العربي الإسلامي.

والقوة اليهودية قوة هدامة عظيمة خافتها الإمبراطوريات القديمة فأرادت القضاء عليها. وليس من ضرورة هنا لبسط موقف تلك الإمبراطوريات القديمة من اليهود. إن كل قارئ عام يعرف ما كان شأن المصريين والأشوريين والكلدانيين واليونان والرومان وشأن اليهود. أما اليوم فإن الاتحاد السوفياتي قد أخذ يحاول القضاء على الحركة اليهودية في مناطق نفوذه لارتكابهم أعمالاً هدامة ولقيامهم بالخيانات والتجسس (١) وإنها بؤرة للفساد (٢).

بعد أن تشرد اليهود على أيدي الرومان تفرقوا في الأرض فنزل قسم منهم في بلاد العرب، في اليمن وفي الحجاز حول يثرب. وعند يثرب أنشأوا لهم قرية زراعية اسمها خيبر. فلما جاء الإسلام كان هؤلاء مصدر إقلاق كبير للإسلام والمسلمين: كان منهم المنافقون الذين يدعون أنهم مسلمون ثم يكونون عيونًا وجواسيس للمشركين. وكان منهم المتجسسون الذين كانوا يعقدون الحلف تلو الحلف مع رسول الله ثم يحملون أخباره إلى أعدائه وينتهزون الفرص للوثوب على الإسلام والمسلمين. وكذلك كان منهم المتآمرون الذين يجمعون أعداء الإسلام ويحثونهم على مقاتلة المسلمين. وكذلك كان منهم المتآمرون الذين يجمعون أعداء الإسلام ويحثونهم على مقاتلة المسلمين ثم يمولونهم بالأموال والسلاح. وهكذا ضاق محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باليهود ذَرْعًا ونظم غزوات على الأماكن التي يسكنونها فاستطاع أن يخضعهم ويضعف مقاومتهم. ونظر كثير من المستشرقين بشهواتهم وعصيانها وجهلهم أحيانًا إلى تلك الغزوات، فكانوا يقولون بأن محمدًا عامل اليهود معاملة خشنة قاسية (٣).على أن هذه المعاملة لم تكن ظالمة ولا كانت، مع عدالتها، شديدة كمعاملة المصريين والأشوريين والرومان مثلاً، ولا كمعاملة اليهود أنفسهم لسائر الشعوب إذا وجدوا إليها سبيلاً. وما أمر فلسطين منا ببعيد!


(١) راجع ما نشر في الصحف منذ أواخر عام ١٩٥٢ وما بعده.
(٢) راجع ما نشر في الصحف ٢٥ - ٦٤١ وما بعد.
(٣) Wismar ٦٠ cf. ٥١ - ٦١

<<  <   >  >>