للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

افْتِرَاءَاتُ المُبَشِّرِينَ:

لا نريد أن نجعل هذا الكتاب تاريخًا للتبشير، ولكننا نريد أن نبين ما جره التبشير من المضار القومية والاجتماعية على العرب خاصة والمسلمين عامة. وكذلك لن نأخذ أنفسنا بالرد على سخافات الذين ألفوا الكتب في الطعن على العرب والإسلام، لأننا سنضطر حينئذٍ إلى أن نكتب مجلدات كثارًا. ولكننا نحب هنا أن نقول أن بوسع كل إنسان أن يأخذ كل شخصية في العالم وكل فكرة في التاريخ ثم يتهكم عليها حَقًّا أَوْ بَاطِلاً، أو ينسب إليها المطاعن والافتراءات بلا دليل. والذي لاحظناه في مئات مما كتبه المبشرون من الكتب أنهم لا يُحْجِمُونَ عن الاستهزاء والتهكم على كل مظهر من مظاهر الإسلام، ثم هم ينكشفون عن جهل فاضح، سندل على بعضه في الصفحات التالية. ونحن بعد لن نقيس إيمانهم بمقدار علمهم.

مِنْ جَهْلِ المُبَشِّرِينَ وَبُعْدِهِمْ عن العلم أنهم إذا بحثوا في الدين لم يَرَ أحدهم لغير مذهبه هو فضلاً ولا حَقًّا في الوجود، ثم هم يحبون أن نلقي أقوالهم بالإذعان والتسليم. ومما نذكره هنا ما اتفق لأحدنا لما كان في أوروبا، قال: لقيت نفرًا مثقفين كانوا يحبون شيئًا من المناقشة في الدين. ولقد اتفق مرارًا أن تناول البحث صاحب الرسالة الإسلامية، فكنت أقول: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ». وربما أحب أحدهم أن يتهكم فيقول لي: وأنت الرجل المثقف تريد أن تبحث بَحْثًا عِلْمِيًّا ثُمَّ تَدَّعِي أَنَّ مُحَمَّدًا «رَسُولُ اللهِ» بلا دليل عقلي علمي! وعلمت أن المنطق لا ينفع مع صاحبي، فكنت أقول له: (وقد اتفق لي ذلك مرارًا): ولكن يا أخي، أتنكر عَلَيَّ - في باب البحث العلمي - أن أقول: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ»، بينما أنت تقول: «أَنَّ المَسِيحَ هُوَ اللهُ» " فَيُبْهَتُ صاحبي، ثم نستمر في نقاشنا.

من أجل ذلك ترى أحدهم إذا تكلم عن المسلمين قال عنهم إنهم: «أَعْدَاءُ الصَّلِيبِ وَأَعْدَاءُ الدِّيَانَةِ الكَاثُولِيكِيَّةِ (١) ظَانًّا أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهِمْ سَبَّةً. ثُمَّ لاَ يَفُوتُهُ أَنْ يَذْكُرَ جَرِيدَةَ " البَشِيرِ " فَيَقُولُ عَنْهَا (٢) إِنَّهَا زَعِيمَةُ الصَّحَافَةِ الكَاثُولِيكِيَّةِ فِي الشَّرْقِ، لِنَشْرِ الأُمُورِ الكَاثُولِيكِيَّةِ فِي الدَّرَجَةِ الأُولَى، ثُمَّ الأُمُورِ المَسِيحِيَّةِ الأُخْرَى، ثُمَّ الرُّدُودِ» (على الإسلام طبعًا). وجريدة " البشير " جريدة صفراء كانت تصدر في بيروت حتى أواخر عهد


(١) Les Jésuites en Syrie ٢٩٦ : ٣٠.
(٢) ibid ٦ : ٣١.

<<  <   >  >>