وهكذا فضل الدكتور مصطفى خالدي أن يعتزل التدريس بالجامعة.
ولا ريب في أن شعور الطلاب بالتبشير المكشوف كان قليلاً جِدًّا في رئاسة الدكتور (بيارد ضودج)، وذلك لسببين اثنين:
- أولهما بلا ريب أن شخصية الرئيس (بيارد ضودج) لم تكن شخصية مهاجمة قهارة، كالذي يروى عن (دنيال بلس) مثلاً. وكان في الرئيس (ضودج) تسامح كبير، إلا أننا نعلم أن في الجامعة وللجامعة أناسًا كان الرئيس (ضودج) مضطرًا إلى تنفيذ رغباتهم: ثم إن الجامعة لم تتخل بعد عن سياسة التبشير قط. ويكفينا دليل واحد على ذلك: أن الجامعة قد استغنت عن العدد الأكبر من المدرسين المسلمين في رئاسة الرئيس (ضودج)، وأن النشاط اليهودي كان في أيامه كبيرًا. وإذا نحن رجعنا إلى المساعدات المالية التي تعطيها الجامعة رأينا قسمًا منها بلا ريب خاصًا بأفراد مسلمين أو بمؤسسات تساعد أفرادًا مسلمين، ولكننا إذا نظرنا إلى (المساعدات المنظمة) نراها شيئًا آخر.
- وثاني السببين أن اليقظة العربية تطورت تطورًا كبيرًا في مدة رئاسة الدكتور (ضودج)(١٩٢٣ - ١٩٤٧)، فمن الثورة السورية إلى قضايا فلسطين إلى استقلال البلاد العربية إلى ولادة جامعة الدول العربية، كل ذلك غمر العالم العربي حتى أصبحت كل سياسة تبشيرية مكشوفة بجانبه تدعو إلى كثير من الاستغراب.
على أن هذا كله ينسينا الأعمال العظيمة التي عملتها جامعة بيروت الأمريكية، ولا الرجال الذين نثرتهم في العالم نجومًا للسارين وَشُهُبًا للظالمين المستبدين وعلماء وأدباء، ولكننا كنا نحب أن لو كانت هذه الأعمال خالصة من غاية لم يبق لها اليوم قيمة في عالم العقل والقومية.
سْتِيفَنْ بَنْرُوزْ:
والدكتور (بيارد ضودج) لم يكن قليل الذكاء، ولكن القصة التي يرويها عنه (ستيفن بنروز)(١) الرئيس السابق للجامعة الأمريكية في بيروت، بعيدة عن المعقول. قال (بنروز): «كَانَ الدُّكْتورُ (ضُودْجْ) كَثِيرًا مَا يُرْوَى أَنَّه رَأَّى مَرَّةً فِي القِطَارِ الكَهْرَبَائِيِّ فِي بَيْرُوتَ رَجَلاً مُسْلِمًا مُسِنًّا يُحَاوِلُ أَنْ يُصَلِّيَ. كَانَ هَذَا الرَّجُلُ المُسِنُّ لاَ يَكَادُ يُوجِّهُ نَفْسَهُ فِي وُقُوفِهِ نَحْوَ مَكَّةَ (الْقِبْلَةَ) حَتَّى يَكُونَ القِطَارُ قَدْ دَارَ حَوْلَ مُنْعَطَفٍ فِي الشَّارِعِ فَيَضْطَرُّ المِسْكِينُ إِلَى أَنْ يُصَحِّحَ اِتِّجَاهَهُ. وَقَبْلَ أَنْ يَمْضِي وَقْتٌ طَوِيلٌ كَانَ هَذَا المِسْكِينُ قَدْ اِضْطَرَبَ تَمَامًا