للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن الذين يعرفون (لويس ماسينيون) ويعرفون كتبه وبحوثه لا يمكن أن يعتقدوا أن أمورًا يسيرة في العلم والتاريخ مثل هذه تخفى عليه!

هذه هي الآراء التي ينشره المبشرون على أقوامهم في أوروبا وأمريكا، وهكذا كانوا يصورون الإسلام حتى يبرروا دوام التبشير بين المسلمين لتدوم لهم دراهم تدر عليهم من جماعات غافلة عن الحقائق أو أنها لا تزال تعتقد أن للإعلان والافتراءات قيمة في القرن العشرين.

طَرِيقُ الاِسْتِعْمَارِ:

ولا ريب في أن الباعث الحقيقي والأول في رأي القائمين على التبشير إنما هو «القَضَاءُ عَلَى الأَدْيَانِ غَيْرِ النَّصْرَانِيَّةِ» (١) توصلاً إلى استعباد أتباعها. إن المعركة بين المبشرين وبين الأديان غير النصرانية ليست معركة دين، بل هي معركة في سبيل السيطرة السياسية والاقتصادية. حتى أن البروتستانت مثلاً لا يكتفون بأن يظل المسيحي أرثوذكسيًا بل يجب أن يصبح مسيحيًا بروتستانتيًا. إن هوى الكاثوليك مع فرنسا وهوى الأرثوذكس مع روسيا، فإذا انتقل هذان إلى البروتستانتية أصبح هواهما مع أمريكا في الدرجة الأولى ومع أنجلترا في الدرجة الثانية.

وفرنسا أيضًا كانت تخشى قوة الإسلام، لأن الإسلام القوي خطر يهدد استعمارها. قال الكاردينال (لافيجيري) (٢): «وَبَيْنَمَا كَانَ الإِسْلاَمُ عَلَى وَشَكِ أَنْ يَنْهَارَ فِي أُورُوبَا مَعَ عَرْشِ السَّلاَطِينِ (مِنْ آلِ عُثْمَانَ) كَانَ لاَ يَزَالُ نَاشِطًا فِي تَقَدُّمِهِ وَفُتُوحِهِ عَلَى أَبْوَابِ مَمْلَكَتِنَا الأَفْرِيقِيَّةِ» (٣).

ويبدو بوضوح أن أشد الأديان مِرَاسًا فِي إِبَاءِ الاستعباد إنما هو الإسلام، ولذلك يتمنى المبشرون أن ينصروا المسلمين كلهم (٤). ومع أن التبشير يتناول البوذيين والبرهميين أيضًا، فإن المقصود الأول بالجهود التبشيرية هم المسلمون (٥). ولقد استوى في هذه الرغبة جميع المبشرين، على الرغم من اختلاف طوائفهم وتباين الأقنعة التي يرفعونها على وجوههم. حتى المستر (بنروز) (٦) رئيس الجامعة الأمريكية الجديد (٧) يقول: «إِنَّ


(١) Missionary Outlook ٣٥ b
(٢) انظر ص ٤٤.
(٣) Pottier ١١٣
(٤) Christian Workers, cf. ١٧
(٥) Christian Workers, ٧ f, ١٣, cf. Jung ٦٧
(٦) Stephan B. l. Penrose, Jr. (توفي المستر بنروز في ٩ كانون الأول عام ١٩٥٤). (*)
(٧) Penrose ٥ (*)

<<  <   >  >>