للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمبادئ المسيحية التي بشر بها المسيح ليصح لها أن تدعي أن المسيحية عامل من عوامل النصر في الحروب.

ومع أن هؤلاء المبشرون يرون أن الإسلام قد تجلى منذ مطلع القرن العشرين قويًا في مظاهر مختلفة، منها انتشاره الواسع في أفريقيا وفي حركة الوحدة الإسلامية قبل الحرب العالمية الأولى، ثم قيام المملكة الحجازية، فإنه قد تبدى لهم ضعيفًا في خيبة الجهاد الذي أعلنه ملوك المسلمين في الحرب العالمية الأولى وفي إلغاء الخلافة في تركيا (١).

وهكذا نجد أن ثمت اتجاهًا واسعًا في الغرب لتفسير كل شيء على أساس ديني، وَعَلَى أَسَاسٍ دِينِيٍّ مُعَادٍ لِلإِسْلاَمِ، بعيد عن العلم كل البعد، حتى في وضع المبادئ العلمية، أو التي يدعون أنها علمية.

التَّعَاوُنُ بَيْنَ التَّبْشِيرِ وَالسِّيَاسَةِ:

كانت السياسة الاستعمارية تلجأ إلى كل وسيلة لخدمة مآربها. ولقد استغلت، فيما استغلته، رجال الدين الوطنيين في بلاد الشرق والأجانب الطارئين على الشرق. وقد يكون ثمت دولة علمانية كفرنسا تقاوم الدين والجماعات الدينية في بلادها ثم تشجع هذه الجماعات وتساعدها في الخارج.

بعد انتشار الإسلام في الشرق أصبحت الكنائس النصرانية قليلة منثورة كأنها جزر صغار في بحر متسع الأكناف. وكانت هذه الكنائس على قلتها أيضًا متعادية متخاصمة (٢) لا سبيل إلى تعاونها في حقل من الحقول. حتى إنها كانت تستعمل في صلواتها وفي تخاطبها لغات مختلفة كالعربية والسريانية واليونانية. ومع الأيام بدأ هذا السوء يزداد ثم تبعه انحطاط أخلاقي واقتصادي وعلمي في الكنائس والأديرة على السواء، حتى بعد أن تصرم الربع الأول من القرن التاسع عشر. ففي عام ١٨٢١ كان مائة وثمانون قسيسًا أرثوذكسيًا في القدس ليس فيهم سوى عشرة فقط على شيء ما من التثقيف اللاهوتي (الديني) (٣).

وكان أول ما فكر فيه المبشرون إصلاح هذه الكنائس المختلفة من الداخل ليستطيعوا


(١) ibid. ٤٤٥ f
(٢) Gairdner ٢٧٦
(٣) Richter ٦٣. f

<<  <   >  >>