للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يستعينوا بها في آخر الأمر على التبشير بين المسلمين أنفسهم (١). من أجل ذلك شعر البروتستانت مثلاً بأن جهودهم يجب أن تنصرف أولاً إلى التبشير بين أتباع الكنائس الشرقية (الأرثوذكسية) (٢). وعلى هذا نرى أن البروتستانت لما نزلوا سورية ولبنان استمالوا، أول ما استمالوا، نفرًا من الأرثوذكس وخصوصًا من أبناء ضهور الشوير وأبناء الكورة وبعض أبناء فلسطين.

إلا أن تعرض البروتستانت للتبشير بين الأرثوذكس خاصة وبين الكاثوليك قليلاً لم يمر بسلام. إن العداوة سرعان ما نشبت بين المبشرين البروتستانت وبين الكنيسة الكاثوليكية التي كانت هي أيضًا تود أن ترد الخراف الضالة إلى حضيرتها (٣). أضف إلى ذلك أن الكنيسة الأرثوذكسية وقفت من البروتستانت موقف الدفاع عن النفس حينما رأت أتباعها يتهالكون على المنافع الدنيوية التي كان البروتستانت الأمريكيون على الأخص يلوحون بها أمام العيون. وهكذا استحكم الخلاف بين البروتستانت وبين الأرثوذكس والكاثوليك أيضًا (٤).

ولكن سرعان ما تذكرت الدول الأجنبية أنها لم تأت للتبشير حتى تختلف على نتائجه. إنها جاءت للسيطرة السياسية، وما التبشير سوى وسيلة إلى هذه الغاية. فليس من الحكمة إذن أن تنسى غايتها وتتنازع على الوسيلة. وهكذا قال (جسب): «يَجِبُ أَلاَّ يَكُونَ ثَمَّتَ نُعُوتٌ مِثْلَ هَذِهِ: أَمِرِيكِيٌّ، إِنْجْلِيزِيٌّ، اسْكُوتْلَنْدِيٌّ أَوْ أَلْمَانِيٌّ، تُنْعَتُ أَعْمَالُنَا التِي نَقُومُ بِهَا فِي سَبِيلِ (المَسِيحِ). إِنَّ الخَصْمَ المُشْتَرَكَ مُتَّحِدٌ فِي مُقَاوَمَتِنَا ... فَلْيَكُنْ اسْمُنَا (نَصَارَى)» (٥). وعلى هذا الأساس من التفاهم بدأت الدول الأجنبية تقتسم مناطق النفوذ في الشرق ثم تقذف فيها بمبشريها ليشقوا لها الطرق إلى الاستعمار.

لما عقد المبشرون مؤتمر لنكاو (الهند) عام ١٩١١، أخذوا يدرسون الأحوال السياسية في العالم الإسلامي. فلما وجدوا أن هذه الأحوال على شيء من الاضطراب قال أحدهم (زويمر): «إِنَّ الاِنْقِسَامَ السِّياسِيَّ الحَاضِرَ فِي العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ دَليلٌ بالِغٌ عَلَى عَمَلِ يَدِ اللهِ فِي التَّارِيخِ وَاسْتِثَارَةٍ لِلْدِّيَانَةِ المَسِيحِيَّةِ (لِكَيْ تَقُومَ بِعَمَلٍ)، إِذْ أَنَّ ذَلِكَ يُشِيرُ إِلَى كَثْرَةِ الأَبْوَابِ التِي أَصْبَحَتْ مُفَتَّحَةً فِي العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ عَلَى مَصَارِيعِهَا. إِنَّ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ يَجِبُ أَنْ


(١) Gairdner ٢٧٧
(٢) Richter ٦٦
(٣) تعيد الذين تركوا الكاثوليكية إلى الكاثوليكية ثانية.
(٤) cf. Richter ٦٧ - ٨٠
(٥) Jessup ٢٢٩

<<  <   >  >>