للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّكَاتُفُ فِي سَبِيلِ التَّبْشِيرِ:

ولقد انكشف العنصر السياسي في التبشير انكشافًا ظاهرًا لما وقعت الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة (١٩٢٩ - ١٩٣٠) ثم في بريطانيا (عام ١٩٣١)، فقلت المبالغ التي كانت تتدفق على الإرساليات التبشيرية من تينك الدولتين وبردت حركة التبشير حينًا (١).

على أن أغرب ما في هذه الصورة السياسية التبشيرية أن (هيلاسلاسي) إمبراطور الحبشة الأرثوذكسي كان يساعد الإرساليات الأجنبية التي هي بروتستانتية أو كاثوليكية على التبشير في السودان (٢).

ودخل على هذه الصورة الغربية عنصر أشد غرابة هو التمييز العنصري (٣). والواقع أن السود الصابئين إلى النصرانية لم يتمتعوا بشيء من المساواة مع إخوانهم البيض الأوروبيين، لا في الدولة ولا في الكنيسة. ومع أن عددًا من الإرساليات احتجت (فقط) على سياسة التمييز العنصري، فإن نفرًا من رؤساء الإرساليات الهولندية خاصة وقفوا (نَظَرِيًّا) من هذه القضية على الحياد (٤). ولكنهم أغلقوا أبواب الكنائس الكبرى في أفريقيا في وجه النصارى السود.

وقد كان من الطبيعي أن يؤدي هذا المسلك إلى ردة فعل بين النصارى السود ضد النصارى البيض، وخصوصًا في المدن التي تنهض فيها كنائس عظيمة البنيان (٥). ولكن بما أن هذا النزاع كان نزاعًا داخليًا في النصرانية نفسها فإننا نكتفي هنا بالإشارة إليه فقط. أما النزاع السياسي فنخصه بكلمة موجزة.

ظن المبشرون أن التبشير سيجعل من الأفريقيين غربيين في كل شيء حتى في الشعور السياسي. ولكن ذلك لم يتفق دائمًا. إن الأفريقيين الذين تلقوا العلم الغربي على يد المبشرين أصبحوا هم أنفسهم كارهين للتبشير وللصلة التي يريد المبشرون أن ينشؤوها بين الدين وبين السياسة. ففي كل مكان وصل إليه الوعي الوطني ظهر الكره للتبشير حتى قال (غروف): «إِنَّنَا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُخْفِي عَنْ أَنْفُسِنَا وَلاَ عَنْ غَيْرِنَا أَنَّ نَفَرًا كَثِيرِينَ يُمَثِّلُونَ


(١) Grove ١٣٧ راجع ٦٤ - ٦٥. والحواشي التالية غير المنسوبة كلها من Grove .
(٢) ١٤٣ س.
(٣) راجع فوق ص.
(٤) ١٠٥، ١٣٥.
(٥) ٧٧.

<<  <   >  >>