للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنجلترا أن تخلق بالأشوريين قلاقل ذات أهمية في العراق أعارتهم للفرنسيين الذين نقلوهم إلى سورية ولبنان ليكونوا مصدر قلق لسورية كما كانوا للعراق (١).

ما أشد ضرر هذه الأقليات الطائفية التي تعير نفسها للمستعمر ليستعين بها على خلق القلاقل في الوطن الأم، فأين الدعاوي العراض بالوطنية والقومية!؟.

التَّوْظِيفُ وَالطَّائِفِيَّةُ:

إن المستعمر إذا نزل بَلَدًا اتخذ أعوانه من الأقليات المتوطنة أو الطارئة. ولقد أشار عَلاَّمَتُنَا ابْنُ خَلْدُونْ إلى هذه الناحية فعقد لها فصلين قصيرين في " مقدمته " المشهورة، فذكر أن صاحب الدولة إذا خشي من أهل الدولة الانتقاض عليه مَالَ «إِلَى أَوْلِيَاءَ آخَرِينَ مِنْ غَيْرِ جِلَدَتِهِمْ يَسْتَظْهِرُ بِهِمْ عَلَيْهِمْ ... وَيَخُصَّهُمْ بِمَزِيدِ التَّكْرُمَةِ وَالإِيثَارِ ... وَيُقَلِّدَهُمْ جَلِيلَ الأَعْمَالِ وَالوِلاَيَاتِ مِنَ الوِزَارَةِ وَالقِيَادَةِ وَالجِبَاِيَةِ» (٢).

وكذلك فعل المستعمرون عند نزولهم ببلاد المشرق الإسلامي هذا الفعل فاستخلصوا الأرمن والأشوريين والمهاجرين من اليهود والروس واليونان والإفرنج ليقاوموا بهم العرب. وما كنا نحن لنعقد هذا الفصل القصير هنا لولا أن المجلة التبشيرية " العالم الإسلامي " قد ذكرته مع قلب للحقائق فاضح.

قال (س. م. موريسون) في مقال نشره في مجلة " العالم الإسلامي " عنوانه " الحُرِّيَّةُ الدِّينِيَّةُ فِي العِرَاقِ " (٣):

«فَإذَا تَجَاوَزْنَا الأَشُورِيِّينَ، وَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحَوَالِهِمْ ذَوُو صِبْغَةٍ خَاصَّةٍ فِي العِرَاقِ، لَمْ نَلْحَظْ إِشَارَةً مَا إِلَى أَنَّ الحُكُومَةَ العِرَاقِيَّةَ تَدْفَعُ الأَقَلِّيَاتِ الدِّينِيَّةِ عَنْ حُقُوقِهِمْ ... هَذَا عَلَى الأَقَلِّ هُوَ المَوْقِفُ الرَّسْمِيُّ لِلْحُكُومَةِ. أَمَّا فِي الوَاقِعِ فَإِنَّهُ إِذَا عُرِضَ لِلْحُكُومَةِ أَنْ تَخْتَارَ بَيْنَ المُتَقَدِّمِينَ إِلَى المَنَافِعِ، فَإِنَّ المُسْلِمَ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَعْظَمَ حَظًّا مِنْ غَيْرِ المُسْلِمِ. فَالْمُسْلِمُ مَثَلاً هُوَ المُفَضَّلُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَاليَهُودِيِّ عِنْدَ إِرْسَالِ البَعْثَاتِ العِلْمِيَّةِ إِلَى الخَارِجِ أَوْ عِنْدَ التَّعْيِينِ فِي مَنَاصِبِ الدَّوْلَةِ. وَبِمَا أَنَّ العِرَاقَ دَوْلَةٌ إِسْلاَمِيَّةٌ فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الأَمْرُ الطَّبِيعِيُّ».

لقد أخطأ (موريسون) من ناحية، ثم فسح لنا مجال القول من ناحية أخرى. أننا في


(١) " تاريخ الوزارات العراقية ": ٣/ ١٨٠.
(٢) " مقدمة " ابن خلدون، بيروت، الطبعة الثالثة: ص ١٨٣ - ١٨٥.
(٣) MW, Apr. ٣٥, ١٢٣

<<  <   >  >>