للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنهم مسلمون بل لأنهم قد أصبحوا قوة تستطيع أن تقف في وجه الأطماع الأوروبية (١). حتى السنوسية، وهي فرقة من المرابطين - المجاهدين - نشأت في طرابلس الغرب، قد أصبحت على قلة أشياعها وقلة انتشارها قوة ترهب الاستعمار (٢)، لا لشيء إلا لأن الاتحاد قوة تفسد على المستعمرين أعمالهم. ولقد بالغ (صموئيل زويمر) (٣) حينما هاله أن يرى نفرًا من النصارى يدعون إلى مصادقة المسلمين في الصين. إن هذه «الصداقة» في رأي (زويمر) تخلق في نفس النصارى جُبْنًا عَنْ التَّبْشِيرِ (٤).

على أن اليسوعيين لا يريدون أن يتنازلوا عن روحهم الصليبية، إنهم لا يزالون يذكرون المبشر بلغة فخمة ملونة مملوؤة بالحقد والضغينة والاستفزاز، إنهم يقولون (٥): «وَيَأْتِي المُبَشِّرُ تَحْتَ عَلَمِ الصَّلِيبِ ... يَحْلُمُ بِالمَاضِي وَيَنْظُرُ إِلَى المُسْتَقْبِلِ وَهُوَ يُصْغِي إِلَى الرِّيحِ التِي تُصَفِّرُ مِنْ بَعيدٍ، مِنْ شَواطِئَ رُومِيَّةَ وَمِنْ شَواطِئِ فِرَنْسَا. وَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ تِلْكَ الرِّيحَ مِنْ أَنْ تُعِيدَ عَلَى آذَانِنَا قوْلَهَا بِالأَمْسِ وَصَرْخَةَ أَسْلاَفِنَا (الصَّلِيبِيِّينَ) مِنْ قَبْلُ: " إِنَّ اللهَ يُرِيدُهَا "» (٦).

هذا قول قاله الأب (شانتور) الذي رأس الكلية اليسوعية في بيروت زمنًا طويلاً في أيام الانتداب وظل في منصبه سنين طوالاً بعد ذلك. لقد كان (الأب شانتور) ذَا نُفُوذٍ ضَخَّمَهُ لَهُ المُسْتَعْمِرُونَ فاستخذى أمامه الحكام. وقلما صعد أحد منهم كرسيًا إلا إذا كان الأب (شانتور) يراه أهلاً لتنفيذ سياسة الانتداب. ويمكننا أن نعرف سياسة اليسوعيين من كلمة واحدة قالوها. إنهم قالوا: يجب أن تكون الإدارة الفرنسية في العلويين (وفي غير بلاد العلويين أيضًا) تتمة للاحتلال الصليبي (٧).

لقد رأى القارئ بلا ريب أن المبشرين يمزجون الدين بالسياسة. ولكنه رأى أيضًا وراء كل ريب أن الدين كان الوسيلة، أما السياسة فكانت الهدف الحقيقي. والسياسة هنا معناها استعباد الغرب للشرق.


(١) Addison ٥٩
(٢) Islam and Missions ٤٨.
(٣) Samuel M. Zwemer.
(٤) MW Apr ٢٨, pp-١٠٩ ff
(٥) Les Jésuites en Syrie ١٠ : ٨.
(٦) حينما جاء الصليبيون إلى الشرق كانوا يرددون صرخة واحدة: «إِنَّ اللهَ يُرِيدُهَا»، أي إن الله هو الذي أراد الحرب الصليبية.
(٧) Les Jésuites en Syrie ١٠ : ١٣.

<<  <   >  >>