للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وَكَذَلِكَ شَنَّتْ الدُّوَلُ الأُورُوبِيَّةُ فِي القَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ وَالقَرْنِ العِشْرِينْ حُروبًا عُدْوَانِيَّةً عَلَى الحُكُومَاتِ المُسْلِمَةِ، ثَمَّ اِنْتَزَعَتْ مِنْهَا أَرَاضِي ضَمَّتْهَا إِلَى سُلْطَانِهَا هِي. وَلَقَدْ كَانَتْ النَّتَائِجُ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ غَيْرَ سَارَّةٍ لِبَعْضِ الشُّعُوبِ التِي اِسْتُعْبِدَتْ، وَخُصُوصًا مِنَ المُسْلِمِينَ وَلَكِنَّ هَذِهِ الشُّعُوبُ لَمْ تَصِلْ بَعْدُ إِلَى دَرَجَةٍ تَشْعُرُ فِيهَا أَنَّهَا أَصْبَحَتْ أَقَلِيَّاتًا مُضْطَهِدَةً، أَوْ أَنَّهَا تَعِيشُ فِي حَابُورَاتٍ» (١). أما غاية الدول الأجنبية من محاربة الدولة العثمانية فكانت، كما يراها المبشرون أيضًا، «لَعَلَّ اللهُ الرَّحِيمُ يَضْرِبُ الأَتْرَاكَ بِسَيْفِ قُدْرَتِهِ الجَبَّارَةَ».

في عام ١٩٢٠ أصدرت لجنة التبشير الأمريكي، التي تهتم بالاستفادة من مناسبات الحروب للتبشير، كتابًا ذكرت في مطلع مقدمته ما يلي: «مِنْ أَبْرَزِ الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِدُخُولِ الوِلاَيَاتِ المُتَّحِدَةِ فِي الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ (الأُولَى) أَنَّ الآرَاءَ وَالمَبَادِئَ التِي كَانَتْ تَهْدِفُ إِلَيْهَا الإِرْسَالِيَاتُ التَّبْشِيرِيَّةُ قَدْ تَبَنَّتْهَا الآنَ الأُمَّةُ (الأَمِرِيكِيَّةُ)، ثَمَّ أَعْلَنَتْ أَنَّهَا هِيَ أَهْدَافَهَا الأَخْلاَقِيَّةَ وَغَايَتَهَا مِنْ خَوْضِ تِلْكَ الحَرْبِ ... إِنَّ هَذِهِ المَبَادِئَ التَّبْشِيرِيَّةَ قَدْ سُمِّيَتْ الآنَ أَسْمَاءَ سِياسِيَّةٍ فَقَطْ» (٢).

ولما ثار الأمير عبد الكريم في ريف مراكش على إسبانيا أقلقت ثورته جميع الدول الغربية، فتراكضت هذه الدول إلى مساعدة إسبانيا على التغلب على عبد الكريم زعيم القوة العربية الثائرة، كما وصفوا حركته يومذاك. ولقد علق المبشر (وليم كاش) في كتابه " العالم الإسلامي في ثورة " على هذه الحرب بالكلمات التالية:

«لَقَدْ اِلْتَقَى الإِسْبَانُ بِالحَمَاسَةِ العَرَبِيَّةِ القَدِيمَةِ وَاِضْطُرُّوا إِلَى أَنْ يُخْلُوا، مِنْ مَنَاطِقِ نُفُوذِهِمْ، مَوْقِعًا بَعْدَ مَوَقِعِ، حَتَّى أَصَبَحُوا يُحَارِبُونَ وَظُهُورُهُمْ إِلَى البَحْرِ مُبَاشَرَةً وَعَلَى وَشَكِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ شَمَالِي أَفْرِيقْيَا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَهَكَذَا نَجِدُ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مُنْذُ الحَرْبِ العُظْمَى (١٩١٤ - ١٩١٨) أَنْ دَوْلَةً أُورُوبِيَّةً يَتَغَلَّبُ عَلَيْهَا جَيْشٌ مُسْلِمٌ، فَلَقَدْ اِتَّفَقَ أَيْضًا لِثَلاَثِ سَنَوَاتٍ خَلَتْ أَنَّ مُصْطَفَى كَمَالْ طَرَدَ اليُونَانْ مِنْ آسْيَا الصُّغْرَى وَتَحَدَّى بِذَلِكَ سُلْطَانَ أُورُوبَّا القَوِيَّ» (٣).

بعدئذٍ ينصح (وليم كاش) جماعته فيقول (٤): «قَبْلَ هَذِهِ التَّطَوُّرَاتِ، التِي طَرَأَتْ عَلَى العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ بَعْدَ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الأُولَى، كَانَ المُبَشِّرُونَ قَدْ اِتَّخَذُوا مَرَاكِزَ اِسْتْرَاتِيجِيَّةَ فِي العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ، وَاِسْتَطَاعُوا فِي أَثَناءِ الثَّوْرَاتِ وَالحُروبِ وَالاِضْطِرابَاتِ أَنْ يُتَابِعُوا عَمَلَهُمْ


(١) الحابورة كلمة عامية معناها حي اليهود، ويقابلها في اللغات الأجنبية كلمة Ghetto ولعل أصل الكلمة في العبرية حبرة: الجماعة، المجتمع.
(٢) Missionary Outlook. p. xv. ff
(٣) Cash ٥
(٤) Cash ٦

<<  <   >  >>