للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم هم يقاومون كل الحركات التي تنبه الشعوب أو تجعل لها سبيلاً إلى الحياة المستقلة. يجب أن يظل الناس عبيدًا لهم أو كالعبيد، ولذلك نجد كل شعب «وعى نفسه» وأراد أن يحيا حُرًّا في أرضه سيدًا في أعماله بدأ بطرد اليسوعيين من بلاده. وإنك واجد مصداق ذلك كله في كتاب غايته تبيان ذلك، هو كتاب " سياسة اليسوعيين " تأليف (بيير دومينك) (١).

ولقد أتاح الانتداب الفرنسي حرية واسعة المدى للتبشير في سورية ولبنان. وكانت الكنيسة الكاثوليكية تضع لنفسها حدود هذه الحرية بالتعاون من الموظفين الفرنسيين الذين كانوا كاثوليكًا. أما الدولة المنتدبة فلم تكن تناصر حرية التبشير علنًا، ولا هي ذهبت في ذلك إلى حد يقر الكنيسة الكاثوليكية على تنصير المسلمين إلا إذا حدث ذلك التنصير من غير أن يثير ضجة عامة. ومع ذلك فإن المدارس والمستشفيات والهيئات الاجتماعية وأعمال التنصير المباشر التي كانت الكنائس والإرساليات تقوم بها، كانت كلها تمضي في عملها (التبشيري) من غير أن تلقى من الحكومة عرقلة تذكر. أما المدارس فقد ازدهرت أكثر من جميع المؤسسات الأخرى بما تدفق إليها من الموظفين الأجانب والمساعدات المالية الأجنبية (٢).

ولما استحال على المبشرين الفرنسيين أن ينصروا أحدًا من أهل الجزائر بالقوة أو بالدعوة أرادوا أن يصلوا إلى نفوسهم بسلوك الحيلة: أرادوا إنشاء مركز للتبشير يشبه في مظهره مظاهر الحياة الإسلامية. لقد اقترح (لافيجري) أن يجعل من مدينة بسكرة في الجزائر - في منتصف الطريق بين جبال الأوراس و (بحيرات) شط الغرسة المتصلة بشط الجريد في تونس - زاوية مسيحية. والزوايا الإسلامية، في الحقيقة، كانت ولا يزال أكثرها إلى اليوم مراكز لرجال الطرق الصوفية المختلفة. ورجال الطرق هؤلاء كانوا، ولا يزال بعضهم حتى اليوم، مرابطين: عبادًا في النهار فرسانًا في الليل. ورئيس الزاوية يدعى المرابط، ويكون مع المرابط مقدم واحد أو عدد من المقدمين يساعدونه في قيادة الإخوان، أي الأتباع الذين يعيشون معه في الزاوية. واقترح (لافيجري) أن تسمى الزاوية المسيحية بيت الله. ثم اقترح أيضًا أن يكون لباس «رواد الصحراء» المسلحين، أو الإخوة المسيحيين الذين يعيشون في الزاوية المسيحية مشابهًا للباس «الإخوان» المسلمين ما عدا لباس الرأس، فإن المسلمين يعتمون فوق الشاشية (الكوفية، غطاء الرأس) بينما


(١) Pierre Dominique, La Politique des Jésuites
(٢) Grubb ١٧١

<<  <   >  >>