للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد جُعِلَتْ القَائِمْقَامِيَّةُ الجَنُوبِيَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ تحت حكم الأمير أحمد أرسلان ومركزه بيت الدين. أما القائمقامية الشمالية المسيحية فوضعت تحت حكم الأمير حيدر إسماعيل أبي اللمع وجعل مركزه في بكفيا. وأما دير القمر، مصدر القلاقل الصحيح، فوضعت تحت إدراة متسلم تركي. ولا ريب في أن قسمة جبل لبنان على هذا الشكل لم يكن يراد بها خير لبنان ولا تسهيل إدارته، بل كان الاستعمار يريد منها غاية ذكرها أنيس صايغ في كتابه " لبنان الطائفي "، قال (١): «وَقُسِّمَ لُبْنَانُ (بَعْدَ إِعْلاَنِ المُتَصَرِّفِيَّةِ) إِلَى مُدِيرِيَّاتٍ وَقَائِمْقَامِيَّاتٍ، تَجْتَمِعُ كُلُّهَا فِي لُبْنَانٍ مُوَحَّدٍ .. إِلاَّ أَنَّ حُدُودَ لُبْنَانَ تَقَلَّصَتْ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلاً. فَقَدْ سُلِخَ عَنْهُ إِقْلِيمُ وَادِي التَّيْمِ وَبَيْرُوتَ وَصَيْدَا وَطَرَابُلْسَ وَالبِقَاعَ وَعَكَّارَ وَمُعْظَمُهَا مَنَاطِقُ إِسْلاَمِيَّةٌ. وَاِنْحَصَرَ لُبْنَانُ الجَديدُ فِي ثَلاَثَةِ أَخْمَاسِ لُبْنَانَ القَدِيمِ. وَقَدْ أَرَادَتْ الدُّوَلُ مِنْ ذَلِكَ المَشْرُوعِ جَعْلَ لُبْنَانَ بَلَدًا مَسِيحِيًّا، غَيْرَ مُهْتَمَّةٍ لِلْخَسَائِرِ الاِقْتِصَادِيَّةِ التِي تَنْجُمُ عَنْ سَلْخِ هَذِهِ المَنَاطِقِ».

والغريب أن الاستعمار عاد بعد نحو قرن كامل من الزمن إلى هذه النغمة الشاذة واستأجر عمالاً وأذنابًا يكتبون في هذه الدعوة تلميحًا ويبثون فيها الكلام سِرًّا ولكن صريحًا. ومع العلم بأن مثل هذه الدعوة لا يمكن أن تنجح اليوم عمليًا ولا نظريًا، فإن الذين يستخدمهم المستعمرون في الترويج لها ليسوا قليلين. ومن المؤسف أن يكون بعض اللبنانيين قد طالب بتأسيس دولة صهيونية في فلسطين ودولة مسيحية في لبنان منذ عام ١٩٣٥، ثم في عام ١٩٤٥ على الأخص (٢)، قبل أن تولد دولة إسرائيل مما يدل على أن هذه الدعوة جاءت من الخارج. ولم يكتف الاستعمار بهذه الدعوة في لبنان نفسه، بل أراد أن يكسوها لباسًا دوليًا فاستكتب فردًا من أولئك [الذين] لا يحترمون رأيًا إلا إذا جاء من أجنبي وجاء معه مبلغ من المال - وهؤلاء قليلون جدًا والحمد لله - كتابًا اسمه " لبنان وطن قومي للنصارى في الشرق الأدنى " (٣). قيل إن هذا الكتاب طبع بلغات متعددة ووزع على رجال السلك السياسي في لبنان وفي خارج لبنان، كما وزع أيضًا في البلاد التي يكثر فيها المهاجرون من


(١) ص ١٢٥.
(٢) راجع " لبنان الطائفي ": ص ١٦١.
(٣) S. O. S, The Lebanon, the Christian National Home of the Near East, ٣٩ pages. No place of printing and no date

<<  <   >  >>