للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الديون. ثم إنها اقتضته تلك الديون مرة واحدة فاستطاعت من هذه الطريق أن تشتري في سنة ١٨٧٥ أسهم الحكومة المصرية في قناة السويس وأن تدخل في إدارة القناة عمليًا. وأخيرًا انتهزت إنجلترا فرصة الثورة التي قادها عُرَابِي بَاشَا فضربت الإسكندرية وأنزلت جيوشها إلى البر المصري عام ١٨٨٢. ومنذ ذلك الحين أصبحت مصر تحت الحماية الإنجليزية فعلاً، وإن كانت قد ظلت اسمًا تابعة للسلطنة العثمانية (١).

وبعد إسماعيل جاء توفيق، وأخذت مصر تنطوي رويدًا رويدًا تحت رقابة دولية، أو تحت حكم أوروبي على الأصح. وتنازعت إنجلترا وفرنسا النفوذ على مصر زمنًا، ثم استطاعت إنجلترا أن تنفرد بالسيطرة وحدها.

ومنذ احتلال إنجلترا لمصر أصبحت مصر تحت سلطة إنجلترا المسيحية (٢). ولكن إنجلترا كانت تحسب حسابًا للشعور الإسلامي فلا تود أن تجرحه بالتظاهر بالتبشير حرصًا على مصالحها العسكرية والسياسية. أما المبشرون فكانوا يريدون من إنجلترا أن تعلن سياسة دينية عنيفة في مصر (٣)، بعد أن وجهوا هم جهودهم للتبشير بين المسلمين (٤).

ولقد اتهم بعض المبشرين (اللورد كرومر)، المعتمد البريطاني في مصر، بأنه كان حليمًا يحابي المسلمين (٥)، مع أنه كان يشجع التبشير بين المسلمين ويحمي القسس الأجانب والمبشرين. قال شوقي يخاطب (اللورد كرومر) يوم رحيله عن مصر (٦):

لَوْ كُنْتُ مِنْ حُمُرِ (٧) الثِّيَابِ عَبَدْتُكُمْ • ... • ... • مِنْ دُونِ عِيسَى مُحْسِنًا وَمُنِيلاَ

أَوْ كُنْتُ قِسِّيسًا يَهِيمُ مُبَشِّرًا • ... • ... • رَتَّلْتُ آيَةَ مَدْحِكُمْ تَرْتِيلاَ

مَنْ سَبَّ دِينَ مُحَمَّدٍ فَمُحَمَّدٌ • ... • ... • مُتَمَكِّنٌ عِنْدَ الإِلَهِ رَسُولاَ!

أراد المبشرون أن يكون (كرومر) صريحًا عنيفًا بطاشًا، وكان هو ذا كيد خفي يتدخل شخصيًا في التنصير. من ذلك أن طالبًا من القدس كان يدرس في الأزهر ثم صبأ من الإسلام إلى النصرانية، فطلبه أبوه ثم حضر بنفسه إلى مصر، فالتجأ الابن إلى (اللورد كرومر). فاستكتبه (اللورد كرومر) وثيقة فيها أنه لا يريد أن يرجع مع أبيه، ففعل (٨). وهكذا


(١) Hayes, op. cit ٦٠٠ f
(٢) Richter ٧٨
(٣) cf. Richter ٧٨, ٣٥١
(٤) Richter ٣٦٠
(٥) Richter ٧٨
(٦) راجع ديوان شوقي: ١/ ٢١٢.
(٧) أي من الإنجليز.
(٨) Gairdner ٢٦٩ - ٢٧٤; Richter ٣٦٢

<<  <   >  >>