للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليهود السري في أوروبا وأمريكا، ثم شهدوا اليهود في فلسطين فإنهم يعلمون ما يكن اليهود للعالم من الحقد وما يضمرونه له من إثارة القلاقل والإفقار وإضاعة الأخلاق.

• • •

ومنذ قرن ونصف قرن فكر المبشرون باستغلال اليهود لنشر النصرانية بينهم ولمقاومة العرب والمسلمين بهم. ففي عام ١٨٠٩ أسس الإنجليز الجمعية اللندنية لنشر النصرانية بين اليهود، ولقد كانت آمالهم عند تأسيسها عظيمة جِدًّا، كانوا يرون أن العمل يجب أن يبدأ بأن يساق اليهود المتفرقون في الأرض إلى فلسطين. وهكذا بدأوا يشجعون اليهود على الهجرة، وعزموا على أن يبدأ التبشير بينهم بعد ذلك مباشرة. وظن المبشرون أن الفرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف حينما أرسل الخديوي المصري الثائر (١) محمد علي ابنه إلى الشام (سورية) واستولى على فلسطين، ذلك لأن موقف محمد علي من الإرساليات التبشيرية كان موقف صداقة وتسامح. وهكذا انتهز المبشرون هذه الفرصة السانحة ووضعوا أساس ما دعوه «كَنِيسَةَ صُهْيُونْ» أول كنيسة بروتستانتية في الإمبراطورية العثمانية. ولكن فأل المبشرين قد خاب، فإن محمد علي انسحب عام ١٨٤٠ من الشام، فعاد الأتراك إلى موقفهم الشديد الأول من الإرساليات التبشيرية (٢).

على أن المبشرين حاولوا مرة ثانية أن يستغلوا القضية اليهودية في سبيل أهدافهم الدينية: فقد أسس الملك (فريدرك ولهلم) ملك بروسية (١٨٤٠ - ١٨٦١) الأسقفية الإنجليز - البروسية في القدس لتكون مركزًا بروتستانتيًا لإصلاح الكنائس الشرقية عامة ولتنصير اليهود خاصة (٣). إن المبشرين كانوا جِدُّ مُقْتَنِعِينَ بأن جمع اليهود في فلسطين يسهل لهم مهمتهم في الوصول إلى المسلمين. من أجل ذلك أرادوا أن يفتحوا أبواب فلسطين على مصاريعها لهجرة اليهود (٤). فليس من المستغرب إذن أن نجد سبعًا وعشرين جمعية تبشيرية مختلفة الجنسيات كانت تعمل بلا ملل في فلسطين (٥).

وهكذا نجد عوامل دينية مختلفة كانت ترمي إلى استعمار فلسطين توصلاً إلى أهداف


(١) التعبير لصاحب النص الذي نستشهد به.
(٢) Richter ٢٦٣
(٣) ibid ٢٣٧
(٤) Christian Mission ١٨٨
(٥) Richter ٢٣٨

<<  <   >  >>