للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُسَاعِدُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ لَهُمْ نَظْرَةً جَدِيدَةً إِلَى مَشَاكِلِهِمْ القَوْمِيَّةِ الحَاضِرَةِ».

إن القارئ ليجد في هذا القول قرينة ظاهرة تدل على أن مدارس التبشير كانت تعمل على أن تهيئ الطلاب العرب من المسلمين والنصارى في فلسطين ليقبلوا بنزول اليهود في الأراضي المقدسة. ولعلهم لم يفعلوا ذلك حُبًّا باليهود، بل إضعافًا لنفوذ المسلمين في هذه البقعة المقدسة من الأرض، وتوصلاً إلى زيادة نفوذهم في الشرق من هذا السبيل.

ويظهر أن الألعاب الرياضية كانت تخدم قضية المبشرين وتخدم الصهيونية في فلسطين خدمة عظيمة، حتى اندفعت مدارس التبشير تُؤَلِّهُ الرُّوحَ الرِّيَاضِيَّةَ وتشجع التسامح في ميادينها إلى أبعد الحدود، تسامحًا كان يراد منه قتل الشعور القومي الثمين من طريق التسلية.

قال (ولبرت سميث) (١): «إِنَّ الأَلْعَابَ تُبَرْهِنُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَحْسَنِ الوَسَائِلِ لِتَقْريبِ وَجْهَاتِ النَّظَرِ بَيْنَ المُخْتَلِفِينَ، بَلْ بَيْنَ المُتَعَادِينَ. لَمَّا أُعْلَنَ العَرَبُ إِضْرَابَهُمْ العَامَّ فِي القُدْسِ عَامَ ١٩٢٩ (احْتِجَاجًا عَلَى مُمَالَئَةِ الإِنْجْلِيزِ لِلْيَهُودِ) قَامَتْ جَمْعِيَّةُ الشُّبَّانِ المَسِيحِيَّةِ بِحَفْلَةٍ تَخْدِمُ بِهَا التَّعَاوُنَ الوَدِّيَّ بَيْنَ العَرَبِ وَاليَهُودِ فَأَقَامَتْ مُبَارَاةً فِي لُعْبَةِ التِّنِّسِ كَانَ اللاَّعِبُونَ فِيهَا مُسْلِمِينَ وَيَهُودًا. وَكَانَ الحُضُورُ لَفِيفًا مِنْ جَمَاعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِيهِمْ الفِلَسْطِينِيُّونَ وَالإِنْجْلِيزَ وَالأَمَرِيكِيُّونَ وَالأَلْمَانَ. وَسَادَتْ الرُّوحُ الرِّياضِيَّةُ، فَكَانَ اليَهُودُ يُحَيُّونَ كُلَّ نَجَاحٍ يُصِيبُهُ اللاَّعِبُونَ العَرَبَ، وَكَانَ العَرَبُ يَرُدُّونَ التَّحِيَّةَ لِلاَّعِبِينَ اليَهُودَ إذَا أَصَابُوا نَجَاحًا. وَتَبِعَ المُبَارَاةَ حَفْلَةُ شَايٍ حَضَرَهَا نَحْوُ خَمْسِينَ مِنَ الْفِلَسْطِينِيِّينَ وَالإِنْجْلِيزَ وَالصِّهْيُونِيِّينَ نَعَمُوا سَاعَةً بِكَرَمِ مُضَيِّفِيِهِمْ النَّصَارَى».

هكذا نجد دائمًا بوضوح أن المبشرين وأشياعهم ليسوا خطرًا على الاطمئنان الديني في الإسلام، بل هم خطر على الحياة القومية في الشرق العربي أيضًا.

• • •

ولم تكن الإرساليات التبشيرية وحدها صديقة لليهود في سبيل تحقيق أهدافها الدينية، بل إن بريطانيا، الدولة المنتدبة على فلسطين، كانت صديقة لليهود (٢) في سبيل تحقيق أغراضها الاستعمارية. ومما يدلنا على ذلك، بعد الأدلة التي لمسناها في خمسة وأربعين عامًا منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، أن إنجلترا أعلنت الوطن القومي لليهود في فلسطين قبل استيلائها على فلسطين، وأن المندوب السامي البريطاني الأول في فلسطين، السير


(١) MW. Apr. ١٩٣٣, p. ١٥٣
(٢) MW. Oc. ١٩٣٥, ٣٥٤, f

<<  <   >  >>