للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليجرب حظه مرة أخرى في دورة تالية، إذا ظفر بها «مُصَحِّحٌ» من ذوي الاتجاه المعلوم.

• • •

ونحن لا ننكر أن يكون العرب قد بنوا فلسفتهم على أساس ما قدمه اليونان للعالم، ولكن من غير الإنصاف أن نقول إن العرب لم يكونوا سوى نقلة، سوى حمالين حملوا الفلسفة كما هي من اليونان إلى العالم. إن العرب قد زادوا في الفلسفة وناقشوا ونقحوا وصححوا وشرحوا وأدوا رسالة قَلَّ أَنْ أَدَّتْ أُمَّةٌ مِثْلَهَا فِي التَّارِيخِ (١).

وأي قول أوضح وأصوب، في العلم، من قول (جورج سارطون)، أحد ثِقَاتِ «تَأْرِيخِ العِلْمِ فِي العَالَمِ» حينما قال في هذا الشأن نفسه:

«غَيْرَ أَنَّ أُولَئِكَ الذِينَ يُنْكِرُونَ مَحَاسِنَ العَرَبِ وَيَبْخَسُونَهَا قِيمَتَهَا لَيَحْتَجُّونَ مَرَّةً ثَانِيَةً بِقَوْلِهِمْ:" إِنَّ الأَخْذَ مِنْ مَصَادِرَ مُتَعَدِّدَةٍ لَيْسَ، عَلَى كُلِّ حَالٍ، خَيْرًا مِنَ الأَخْذِ مِنْ مَصْدَرٍ وَاحِدٍ ". تِلْكَ هِي طَرِيقَةٌ فِي المُجَادَلَةِ مُضَلِّلَةٌ وَخُصُوصًا إذَا كَانَ الكَلاَمُ يَتَنَاوَلُ الرِّياضِيَاتِ. ثَمَّ إِنَّ الرِّياضِيِّينَ العَرَبَ فِي تَيْنِكَ الحَالَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ آنِفًا لَمْ يَنْسَخُوا مِنَ المَصَادِرِ اليُونَانِيَّةِ السَّنْسِكْرِيتِيَّةِ نَسْخًا، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمَا جَاءُوا بِفَائِدَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ المَصْدَرَيْنَ ثُمَّ أَلْحَقُوا الآرَاءَ اليُونَانِيَّةَ بِالآرَاءِ الهِنْدِيَّةِ. وَإذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الذِي فَعَلَهُ العَرَبُ اِبْتِكَارًا فَلَيْسَ فِي العِلْمِ إِذَنْ اِبْتِكَارٌ عَلَى الإِطْلاَقِ. فَالاِبْتِكَارُ العِلْمِيُّ فِي الحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ حِيَاكَةُ الخُيُوطِ المُتَفَرِّقَةِ فِي نَسِيجٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ ثَمَّتَ اِبْتِكَارَاتٌ مَخْلُوقَةٌ مِنَ العَدَمِ» (٢).

• • •

هذا ما يقوله الأجانب الغربيون عن قيمة الثقافة العربية وعن الرسالة العلمية التي أداها العرب والمسلمون إلى العالم. ولكن الاستعمار يريد أن يسدل دائمًا دون جهود الإسلام ستارًا كثيفًا. ونحن لا نستغرب أن يحاول الاستعمار تحطيم نفوس رعاياه - وقد كان المنتدبون الفرنسيون يفعلون ذلك قبل عهد الاستقلال عام ١٩٤٣ - ولكن ما عذر الحكومة اللبنانية


(١) راجع " عبقرية العرب في العلم والفلسفة "، الدكتور عمر فروخ، الطبعة الثانية ١٩٥٢ (وقد نُقِلَ هذا الكتاب للإنجليزية، وطبع في واشنطن عام ١٩٥٤) ثم " موضوعات محللة في تاريخ الفلسفة الإسلامية "، له أيضًا: ص ٥ - ٦، ٢١ - ٢٣، ٥١، ٥٥ - ٥٦، ٦١.
(٢) " الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط "، تأليف الدكتور جورج سارطون، أستاذ في جامعة هارفارد (بالولايات المتحدة)، ورئيس " الاتحاد الدولي لتاريخ العلم "، نقله إلى اللغة العربية الدكتور عمر فروخ، الطبعة الأولى، منشورات مكتبة المعارف في بيروت، ١٣٧٢ هـ - ١٩٥٢ م، الصفحتان ٥٥، ٥٦.

<<  <   >  >>