للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما المجلات التبشيرية التي صدرت في بلدان مختلفة وبلغات مختلفة فهي أكثر من أن يحصيها العد. أضف إلى ذلك أن ثمة في العالم كله جرائد ومجلات سياسية أو أدبية أو علمية لا تظهر عليها صبغة التبشير، ولكنها في الحقيقة وسائل قوية من وسائل المبشرين.

ومع هذا كله فليس في اللغة العربية إلى اليوم كتاب واحد يكشف النقاب عن غايات المبشرين الحقيقية وينبه على الأخطار التي يود المبشرون أن يعرضوا لها الشرف والعرب والإسلام، مع أن لهؤلاء المبشرين ألوف الكتب والكراريس يحاولون أن ينشروها بكل سبيل في طول البلاد العربية وعرضها. ثم إنهم قد ألقوا عن وجوههم القناع وأسفروا عن حقيقة غاياتهم في الكتابة عن الإسلام ورجاله وعن العرب وحياتهم، وكانوا النواة الأولى لطلائع الاستعمار السياسي والاقتصادي، يساعدهم في عملهم هذا مع الأسف نفر من أهل البلاد العربية.

ليست كتب المبشرين هي التي تقتضي وضع هذا الكتاب لكشف النقاب عن آثار تلك الأصابع الحاذقة التي تمتد إلى كل صوب في العالم الإسلامي، بل هناك المؤسسات التبشيرية، تلك المؤسسات التي تبدو في مظاهر مختلفة، بعضها واضح المعالم وبعضها الآخر بعيد عن التهمة كل البعد، كالمدارس والجامعات والمستشفيات والمياتم والأندية والجمعيات ومؤسسات البر والإحسان.

وقد أراد القائمون على التبشير أن يكون «للإحسان والتعليم» مقام كبير في الخطط التي توضع لأعمال التبشير، ولكن على أن تكون وسائل فقط لا غاية في نفسها (١). إن المبشرين يريديون إفساد الخصائص القومية في الشعوب الشرقية الإسلامية والعربية، كما يريدون إفساد خصائص البوذيين وغيرهم ممن يأبون أن يخضعوا سلطة الغربيين السياسية والاقتصادية.

ولقد ساير التبشير الظاهر بالمسيحية حركة أشد خطرًا على الأمة الإسلامية وعلى الشعب العربي، فقد نشأ في أوروبا وأمريكا نفر سَخَّرُوا أَقْلاَمَهُمْ لِلْمُبَشِّرِينَ وجعلوا يطعنون العرب والإسلام ويشوهون صورتهما. إن السكوت عن هذه الافتراءات تخاذل وتقصير معيب، فيجدر بنا إذن أن نرد هذه الافتراءات وأن يفندها دفاعًا عن كياننا القومي والديني، وحفظًا لخصائصنا التي هي أهم دعائم الحياة فينا.

ويجب أن نذكر دائمًا أن المبشرين هم أصابع أممهم وعيون بلادهم، يحاولون دائمًا أن


(١) Enc. of Missions (٢ ed. ed. ١٩٠٤) p. ٩c.

<<  <   >  >>