وجاء إسماعيل باشا إلى عرش مصر في رجب من سنة ١٢٨٠ هـ (١٨٦٣ م). واحتاج إسماعيل باشا إلى أن يسد نفقات كثيرة منها ما كان في سبيل الإصلاح كبناء السكك الحديدية وإنشاء الطرق والمرافئ وشق قناة السويس، ومنها ما ذهب في الإسراف على بناء القصور أو في السرقات. ثم كانت القلاقل في السودان واحتاج إلى تمويل الحملات بمبالغ ضخمة. ففي سنة ١٢٩٢ هـ (١٨٧٥ م) باع إسماعيل باشا أسهمه في قناة السويس للحكومة البريطانية. وهكذا أصبحت معظم أسهم قناة السويس في يد الفرنسيين ويد الحكومة البريطانية. ثم غرق إسماعيل في الديون الأجنبية، فتأسس في مصر صندوق الديون العمومية. عندئذٍ فرضت فرنسا وإنجلترا على إسماعيل لجنة منهما للإشراف على جمع الضرائب وعلى نفقات الدولة محافظة على حقها في الديون وفي نصيبهما من دخل القناة. بذلك دخلت مصر في نطاق النفوذ البريطاني الفرنسي فعليًا. غير أن النفوذ البريطاني كان أغلب.
ومع دخول النفوذ الأجنبي إلى الميدان الاقتصادي المصري دخل هذا النفوذ في الوقت نفسه إلى الميدانين السياسي والعسكري. لقد استعان إسماعيل باشا في التغلب على تجارة الرقيق بنفر من الأجانب منهم السير (صموئيل بايكر) والكولونيل (تشارلس غوردن) و (رودولف سلاتين) = (سلاطين باشا). لقد عهد إلى هؤلاء بالولاية على عدد من المناطق السودانية وفوض إليهم العمل بجميع الوسائل التي يرونها ضرورية للقضاء على نشاط الجلابين. وهكذا دخل النفوذ البريطاني إلى السودان أيضًا. ويحسن أن نذكر هنا أن الكولونيل (تشارلس غوردن) - أو (غوردن باشا) كما أصبح يُدْعَى فِيمَا بَعْدُ - كان من المتصلين بحركة التبشير ومن الذين كانوا يشجعون على القيام بالتبشير في السودان خاصة. وكانت قضية التبشير في السودان خاصة تشغله إلى درجة أنه كتب بها رسالة أو رسائل إلى أخته (١).
وفي ذلك الحين كان (غوردن باشا) قد أصبح الحاكم العام في السودان فتقلصت تجارة الرقيق قليلاً واتسعت حركة التبشير كثيرًا. ولكن في عام ١٨٧٩ اُسْتُدْعِيَ (غوردن) إلى إنجلترا فنشطت تجارة الرقيق من غير أن تركد حركة التبشير التي كان (غوردن) قد دفعها في القسم الجنوبي من السودان خاصة.
يبدو أن التدخل البريطاني في حياة السودان الدينية على الأخص وفي حياته السياسية أيضًا (مضافًا إلى هذا التدخل الأجنبي شيء من الفوضى التي آل إليها الحكم المصري في السودان والتي كانت امتدادًا للفوضى في مصر نفسها يومذاك) قد كان السبب الأول في