وقد اتفق أن الحكومة الحبشية استطاعت من طريق القهر أَنْ تُنَصِّرَ بعض المسلمين ولكن جماعات كثيرة من أولئك المقهورين على تبديل دينهم خرجوا من الكنيسة التي عمدوا فيها إلى المساجد ليعودوا إلى إيمانهم. ولم يكن لذلك نتيجة إلا ازدياد العداوة بين المسلمين والنصارى من الأحباش (١).
والنصارى في الأصل أقلية في الحبشة، ولكن الاستعمار البريطاني خاصة هو الذي يدعم الأسرة المسيحية الحاكمة على كثرة من المسلمين يتكلم العديد منهم اللغة العربية ويعرفون جمعهم اللغة العربية لأنها لغة الإسلام.
وبعد الحرب العالمية الثانية أضاف الاستعمار البريطاني الأمريكي ظلمًا جديدًا إلى الظلم القديم فأضاف " إيرتريا " إلى الحبشة وأخضعها للأسرة المسيحية الحاكمة. إن الكثرة المطلقة من أهل " إيرتريا " مسلمون. من أجل ذلك لما أجبر الاستعمار على مغادرة " إيرتريا " المسلمة فضل أن تكون تلك المقاطعة تحت حكم ملك مسالم للسياسة العربية ومستند في حكمه وسياسته إليها على أن تكون دولة مسلمة مستقلة.
ونحن إذا كَرَّرْنَا النظر في المقاطعات الأفريقية التي استقلت، بعد الحرب العالمية الثانية، وجدنا أن الاستعمار قد أقام قبل مغادرته تلك البلاد حكومات أكثرها من الصابئين إلى النصرانية، مع أن الكثرة المطلقة من أهل تلك الدول الجديدة مسلمون. غير أن الاستعمار لم ينل من ذلك مآرب كثارًا. إن معظم هؤلاء أصبحوا يشعرون أنهم مسؤولون أمام قومهم قبل أن يكونوا مسؤولين أمام الدول الأجنبية التي مهدت لهم سبيل الحكم لأنهم صابئون. ولما خاب ظن الاستعمار في (باتريس لومومبا) في الكونغو، وجدنا (باتريس لومومبا) يسقط صريعًا في أحوال غامضة، إذا لم تكن من تدبير الاستعمار فإنها كانت على الأقل تتمتع بحماية الاستعمار. وبعد مقتل (لومومبا) وجدت أسرته ملجأ أمينًا ورعاية عطوفًا في الجمهورية العربية المتحدة لا في بلجيكا التي تمتعت بخيرات الكونغو اِسْتِيلاَءً وَنَهْبًا قَرْنًا كَامِلاً مِنَ الزَّمَنِ.