للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصح الجنرال (هايغ) الحكومة البريطانية أن ترسل مبشريها إلى شبه جزيرة العرب (١).

حتى الأفراد الذين ينتشرون في الأرض للتبشير بزعمهم لم يأتوا في واقع الأمر للتبشير. إن منهم من يحب المغامرات والأسفار، ومنهم من يطمح إلى السيطرة الشخصية على من حوله، ومنهم من يحب فرض رأيه على الآخرين (٢). فإذا لم يستطع أحدهم أن يفعل ذلك في بلاده، ولم يملك أن يفعله باسمه هو في خارج بلاده، خرج إلى العالم تحت ستار التبشير ليشبع أطماعه الشخصية. وكثيرًا ما كشفت الجمعيات التبشيرية عن أطماع المبشرين الشخصية واكتشفت بينهم المكرة، أو الذين أحبوا أن يستغلوا الجمعيات التبشيرية ليسافروا في العالم على حسابها، وهم في الحقيقة تجار أو رجال دعوة (اجتماعية أو اقتصادية) لا صلة لها بالتبشير (٣). بل إن ثمت شيئًا أكبر من ذلك: إن هؤلاء لا يتحلون بالأخلاق الحميدة. كتب الشاعر القروي المجيد (رشيد سليم الخوري) في مجلة " العصبة الأندلسية " (٤) يتكلم باسم النصارى الذي يتألمون - كالمسلمين أيضًا - من أضرار المبشرين كلهم والبروتستانت خصوصًا فيقول: «أَمَّا مِنَ النَّاحِيَةِ الدِّينِيَّةِ فَإِنَّ إِقَامَتِي الدَّلِيلَ عَلَى عَدَمِ نَزَاهَتِهِمْ لاَ تَقْتَضِي أَنْ أَكُونَ بَارِعًا فِي الجَدَلِ أَوْ عَالِمًا شَهِيرًا بِالتَّارِيخِ .. ! إِنَّ طَوَائِفَنَا العَدِيدَةَ .. قَدْ زِيدَتْ بِفَضْلِ تَعَرُّفِنَا عَلَى الرِّسَالَةِ الأَمَرِيكِيَّةِ طَائِفَةً جَدِيدَةً اسْمُهَا الطَّائِفَةُ الإِنْجِيلِيَّةُ .. وَكَمْ أَنَفَقَ الأَمَرِيكِيُّونَ .. لِكَيْ يُعَرِّفُونَا بِمُوَاطِنِنَا السَّيِّدَ المَسِيحِ وَبِدِينِهِ .. وَكَأَنَّنَا أَشَدَّ اِفْتِقَارًا إِلَى الفَضَائِلِ المَسِيحِيَّةِ مِنَ الأَمَرِيكِيِّينَ أَنَفْسُهُمْ!».

والمؤلفون عادة لا ينكرون أن التبشير قد اتخذه الكثيرون آلة للتجارة والسياسة، وأن المبشرالأمريكي خاصة لم يستطع أن يتحرر من نفوذ حكومته وغاياتها.

وكثيرًا ما غادر المبشر جمعية إلى جمعية حسب أهوائه، فإن (وليم بلغرايف) (٥) الإنجليزي قد دعته أطماعه الخاصة إلى أن ينقلب راهبًا يسوعيًا ويجادل البروتستانت قومه. ولما استغنى عن اليسوعيين عاد بروتستانتيًا، حتى إنه سمي «الحَرْبَاءَ» (٦).

وليس هذا فقط، بل إن من المبشرين نفرًا يسعون وراء أطماع ومغامرات شخصية شوهت اسم النصرانية في الشرق (٧). فلقد ذكر (جسب) في كتابه الذي طبع ١٩١٠


(١) Jessup ٥٣٠.
(٢) Re -Thinking Missions p. ٩.
(٣) ibid . ١٠
(٤) عام ١٩٤٧، العدد الرابع.
(٥) William Gifford Palgrave.
(٦) Jessup ٢٩٥.
(٧) Re -Thinking Missions p. ١٣

<<  <   >  >>