للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالسَّلْبِ. وَوَعَدَ الذِينَ يَهْلَكُونَ فِي القِتَالِ بِالاسْتِمْتَاعِ الدَّائِمِ بِالمَلَذَّاتِ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَصْبَحَتْ آسِيَا الصُّغْرَى وَأَفْرِيقْيَا وَإِسْبَانْيَا فَرِيسَةً لَهُ، حَتَّىَ إِيطَالِيَا هَدَّدَهَا بِالخَطَرِ، وَتَنَاوَلَ الاجْتِيَاحُ نِصْفَ فِرَنْسَا. لَقَدْ أُصِيبَتْ المَدِنِيَّةُ. وَلَكِنَّ هَيَاجَ هَؤُلاَءِ الأَشْيَاعِ (المُسْلِمِينَ) تَنَاوَلَ فِي الأَكْثَرِ كِلاَبِ النَّصَارَى ... وَلَكِنْ انْظُرْ، هَا هِيَ النَّصْرَانِيَّةُ تَضَعُ بِسَيْفِ شَارْلْ مَارْتَلْ سَدًّا فِي وَجْهِ سِيْرِ الإِسْلاَمِ المُنْتَصِرِ عِنْدَ بْوَاتْيِهْ (٧٥٢ م). ثُمَّ تَعْمَلُ الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ فِي مَدَى قَرْنَيْنِ تَقْرِيبًا (١٠٩٩ - ١٢٥٤ م) فِي سَبِيِلِ الدِّينِ، فَتُدَجِّجَ أُورُوبَا بِالسِّلاَحِ، وَتُنْجِي النَّصْرَانِيَّةَ. وَهَكَذَا تَقَهْقَرَتْ قُوَّةُ الهِلاَلَ أَمَامَ رَايَةِ الصَّلِيبِ، وَانْتَصَرَ الإِنْجِيلُ عَلَى القُرْآنِ، وَعَلَى مَا فِيهِ مِنْ قَوَانِيِنِ الأَخْلاَقِ السَّهْلَةِ ...» (١).

هذا نوع من الكتب التي تؤلف في الغرب عن الشرق، بل إن هذا النوع هو الغالب على أهل الغرب حينما يكتبون عن الشرق العربي أو الشرق المسلم: تعصب ذميم وتشويه للحقائق وإيقاد للأحقاد. ثم هم يأتون بهذه الكتب وَيُدَرِّسُونَهَا في الشرق العربي والشرق المسلم. ويظهر أن هذا الكتاب الذين نحن بصدده يُدَرَّسُ، أو كان يُدَرَّسُ على الأقل، في مدارس الإخوة المسيحية (الفرير) (*) في بيروت وفي جميع المدارس التابعة لهذه الرهبنة في غير بيروت.

هذا النوع من التأليف هو الذي أقلق السلام بين الشرق والغرب منذ أقدم الأزمنة، وهو الذي يهدد السلام كل يوم وخصوصًا في الشرق. وليس بعجيب أن تكون حكومة الانتداب الماضية قد حمت هذا النوع من التأليف وفرضته على البلاد بالقوة. إن قارئ أمثال هذا الكتاب هو أحد ثلاثة نفر: - إما أن يكون من الذين يُسَرُّونَ بمثل هذه الشتائم ليشفي صدرًا حقودًا، وهو خطر على الوطن لأنه يجر عليه أسوأ العواقب.

- وإما أنه رجل من سواد العامة يثار بمثل هذه الأمور فيقابلها حينئذٍ بمثلها، فيرد عليه آخرون قوله ثم تنتهي الحال بفتنة عمياء تأتي على كل شيء، وذلك أيضًا خطر على الوطن.

- وإما أنه رجل عاقل يرى في ثنايا ما يقرأ نفسًا صغيرة وغاية حقيرة فيحتقر صاحبها ثم يوسع حكمه إلى احتقار الذين يرضون عن صاحبها، فإذا هوممتلئ شكوكًا وحذرًا واشمئزازًا من الذين يعيشون معه، وفي ذلك أيضًا خطر على الوحدة الوطنية.


(١) لا تزال أمثال هذا الكتاب تُدَرَّسُ في مدارس الإرساليات الأجنبية في لبنان. وفي كل حين تضطر وزارة المعارف اللبنانية إلى منع كتاب أو أكثر.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) الفرير: كلمة فرنسية Frères وتعني الإخوة (أي الإخوة المسيحيين).

<<  <   >  >>