للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعرها، فأرسل رسول الله علياً والزبير في طلب الظعينة (١) ، وأخبرهما أنهما يجدانها في "روضة خاخ" (٢) فكان ذلك؛ وتهدداها حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها، فأتي به رسول الله، فدعا حاطب بن أبي بلتعة فقال له: (ما هذا) فقال: يا رسول الله، إني لم أكفر بعد إيماني، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أنه تكون لي عند القوم يداً، أحمي بها أهلي ومالي. فقال صدقكم، خلوا سبيله) ، واستأذن عمر في قتله فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: (وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم) (٣) .

وأنزل الله في ذلك صدر سورة الممتحنة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (٤) . فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوصية السبب الدالة على إرادته، مع أنه في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل. لكن قوله صلى الله عليه وسلم ((صدقكم, خلوا سبيله)) (٥) ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذا كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي، ولو كفر لما قيل: ((خلوا سبيله)) . ولا يقال: قوله صلى الله عليه وسلم لعمر:


(١) في جميع النسخ (ضعينة) .
(٢) روضة خاخ: موضع بين الحرمين، بقرب حمراء الأسد من المدينة. معجم البلدان، ٢/٣٣٥.
(٣) أصل هذه القصة في الصحيحين؛ فهي في صحيح البخاري مع الفتح، ٧/٥٩٢، المغازي، ١٦/٢٨٨-٢٨٩، كتاب فضائل الصحابة، من فضائل أهل بدر، وقصة حاطب بن أبي بلتعة. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" على الصحيحين لمحمد بن عبد الله الحاكم (ت ٤٠٥هـ) ، بذيله تلخيص المستدرك، للذهبي، دار الفكر، بيروت، ١٣٨٩هـ، ١٩٧٨م. ١٣/٣٠١-٣٠٢. انظر القصة: البدايةوالنهاية، لابن كثير ٤/٢٨٤-٢٨٤. والسيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وزميليه، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، ٤/٤٠-٤١ وسيرة النبي لابن إسحاق، ٤/٨٥٨.
(٤) سور الممتحنة: الآية (١) .
(٥) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>