للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجتناب ما يعرفون قبحه؛ وقد قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ١ ولم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب قبل الرسالة٢.

وإذا كان لا هو ولا هم يعلمون ما أرسل به، وفرق بين من يرتكب ما يعلم قبحه، وبين من يفعل ما لا يعرف، فإن هذا الثاني لا يذمُّونه ولا يعيبونه عليه، ولا يكون ما فعله مما هم عليه منفراً عنه بخلاف الأول، ولهذا لم يكن في أنبياء بني إسرائيل من كان معروفاً بشرك، فإنهم نشئوا على شريعة التوراة، وإنما ذكر هذا فيمن كان قبلهم.

وأما ما ذكره سبحانه وتعالى في قصة شعيب والأنبياء، فليس في هذا ما ينفر أحد عن القبول منهم وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد جاهليته، وكان فيهم من كان محمود الطريقة قبل الإسلام، كأبي بكر الصديق، فإنه لم يزل معروفا بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، لم يكن فيه قبل الإسلام ما يعيبونه فيه، والجاهلية كانت مشتركة فيهم كلهم.

وقد تبيّن أنّ ما أخبر به عنهم قبل النبوّة في القرآن من أمر الأنبياء، ليس فيه ما ينفر /أحداً/٣ عن تصديقهم، ولا يوجب طعن قومهم، ولهذا لم يذكر أحد من المشركين هذا، قادحاً في نبوته، ولو كانوا يرونه عيباً لعابوه، ولقالوا: كنتم أنتم أيضاً على الحالة المذمومة، ولو ذكروا للرسل هذا لقالوا: كنا كغيرنا لم نعرف ما أوحي إلينا؛ ولكنهم قالوا: إن أنتم إلاّ بشر مثلنا، فقالت الرسلُ: إن نحن إلاّ بشرٌ مثلكم، ولكن الله يمنُّ على من يشاء من عباده.

قال: وقد اتفقوا كلهم على جواز بعثة رسولٍ، لم يعرف ما جاءت به الرسل قبله من أمور النبوة والشرائع، ومن لم يقر بهذا الرسول بعد الرسالة فهو كافر، والرسل قبل الوحي قد كانت لا تعلم هذا، فضلاً عن أن تقرَّ به٤. فعلم أن عدم العلم والإيمان لا


١ سورة الإسراء الآية (١٥) .
٢ مجموع الفتاوى ١٥/٣٠ بتصرف؛ التفسير الكبير لابن تيمية ٤/٣١٥.
٣ في (ج) و (د) : أحد.
٤ مجموع فتاوى ابن تيمية ١٥/٣٠-٣١، التفسير الكبير لابن تيمية ٤/٣١٥-٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>