للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كفر من قبله،١ وهو كمن كفر بالقرآن كله؛ ولا نعلم أحداً قال هذا القول، ممن يدعي الإِسلام، ويؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ والجهمي يوافق على كفر هذا، ولا يُشكِلُ كفر هذا على من عرف شيئاً من الإِسلام. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} ٢ أي: بالقرآن٣.

وأما قول الرجل: استوى، من غير مماسة للعرش٤؛ فقد قدّمنا أن مذهب السلف، وأئمة الإِسلام، عدم الزيادة، والمجاوزة، لما في الكتاب والسنة، وأنهم يقفون وينتهون، حيث وقف الكتاب، والسنة، وحيث انتهيا.

قال الإِمام أحمد -رحمة الله عليه-: (لا يوصف الله تعالى، إلاّ بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله) ٥ انتهى. وذلك لعلمهم بالله وعظمته في صدورهم، وشدّة هيبتهم له، وعظيم إجلاله.

ولفظ المماسة لفظ مخترع، مبتدع، لم يقله أحدٌ ممن يقتدى به، ويتّبع، وإن أريد به نفي ما دلّت عليه النصوص من الاستواء، والعلوّ، أو الارتفاع، والفوقيّة، فهو قول باطل، ضالٌ، قائله مخالف للكتاب والسنة، ولإجماع سلف الأمة، مكابر للعقول الصحيحة، والنصوص الصريحة، وهو جهمي لا ريب، من جنس من قبله؛ وإن لم يرد هذا المعنى، بل أثبت العلو والفوقية، والارتفاع الذي دلَّ عليه لفظ الاستواء، فيقال فيه هو مبتدع ضالٌ، قال في الصفات قولاً مشتبهاً موهماً، فهذا اللفظ لا يجوز نفيه، ولا إثباته٦.


١ من أوَّله بالاستيلاء.
٢ سورة هود الآية (١٧) .
٣ جامع البيان للطبري ١٢/١٨.
٤ انظر: الملل والنحل للشهرستاني ١/١١٢؛ وأورده الذهبي في سير الأعلام ١٩/٣٤٤؛ عند ذكره لعقيدة أبي حامد الغزالي.
٥ أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، لعبد الغني الدقر، دار القلم، دمشق، بيروت، ط/١، ١٣٩٩هـ -١٩٧٩م، ص١٢٦، ١٢٨.
٦ أي قول القائل: (استوى من غير مماسة العرش) ؛ لا يجوز نفيه ولا إثباته، لأن نفيه قد يستلزم نفي ما هو ثابت بالنصوص القطعية، وذلك لو قصد به قائله إثبات العلو والفوقية الذي دل عليه لفظ الاستواء، وكذلك إثباته باطل لفظاً، إذ إنه لم يرد في السنة المطهرة، ولا في أقول السلف الصالح، فهو لفظ مبتدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>