للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك، فلا بأس بالبداءة١ لا سيما من ينتسب إلى الإسلام، ولكن يخفى عليه شيءٌ من أصوله وحقوه.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يأتي المشركين من العرب في منازلهم أيام الموسم٢، ويدعوهم إلى توحيد الله وترك عبادة ما سواه، وأن يقولوا لا إله إلا الله، ويتلوا عليهم القرآن، ويبلِّغهم ما أُمر بتبليغه؛ مع ما هم عليه من الشرك والكفر والردّ القبيح، لما في ذلك من المصلحة الراجحة على مصلحة الهجر والتباعد، والهجر إنما شرع لما فيه من المصلحة وردع المبطل، فإذا انتفى ذلك وصار فيه مفسدة راجحة فلا يشرع. ومن تأمّل السيرة النبوية والآثار السلفيّة يعرف ذلك ويتحققه.

وقد أمر الله بالدعوة إليه على بصيرة، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} الآية٣، وقال: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ٤.

والجهاد بالحجة والبيان يقدم على الجهاد بالسيف والسنان.

وقد مرَّ صلى الله عليه وسلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمنافقين واليهود، وفيه عبد الله ابن أُبيّ٥ رأس المنافقين، فسلّم صلى الله عليه وسلم ونزل


١ زاد المعاد، لابن القيم ٢/٤٢٥.
٢ انظر: السيرة النبوية لابن هشام ١/٤٢٢-٤٢٣.
٣ سورة يوسف الآية (١٠٨) .
٤ سورة الحج الآية (٧٨) .
٥ هو عبد الله بن أُبيّ بن سلول العوفي، رأس المنافقين، ورئيس الخزرج والأوسي. وهو القائل: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل. فنزلت سورة المنافقين بأسرها. (ت٩هـ) . انظر البداية والنهاية ٣/٢٣٨؛ والسيرة النبوية لابن هشام ٢/٥٢٦-٥٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>