للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال: "يا أيها الناس، اربعوا١ أنفسكم إنكم لا تدعون أصما ولا غائبا، إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" ٢. فهذا قرب خاص بالداعي دعاء العبادة والثناء والحمد.

وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرب لخلقه واستوائه على عرشه٣، بل يجامعه ويلازمه، فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض٤؛ تعالى الله علوا كبيرا. ولكنه نوع آخر، والعبد في الشاهد يجد روحه قريبة جدا من محبوب وبينه وبينه مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ويجده أقرب إليه من جليسه، كما قيل:

ألا رب من يدنو ويزعم أنه ... يحبك والنائي أحب وأقرب٥

وأهل السنة أولياء رسول الله صلى الله عليه وسلم وورثته وأحباؤه، الذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم، وأحب إليهم منها، يجدون نفوسهم أقرب إليه، وهم في الأقطار النائية عنه، من جيران حجرته في المدينة٦ والمحبون المشتاقون للكعبة البيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقرب إليها من جيرانها ومن حولها، وهذا مع عدم تأتي القرب منها، فكيف بمن يقرب من خلقه كيف يشاء هو مستو على عرشه.

وأهل الذوق لا يلتفتون في ذلك إلى شبهة المبطل بعيد من الله، خلي من محبته


١ اربعوا: أي ارفقوا. النهاية لابن الأثير ٢/١٨٧، شرح النووي لصحيح مسلم ١٧/٢٩، فتح الباري ١١/٥٠٩.
٢ صحيح البخاري مع الفتح ٦/١٥٧، الجهاد، باب ما يكره من رفع الصوت في التبكبير.
صحيح مسلم بشرح النووي ١٧/٢٩، الذكر، باب استحباب خفض الصوت، سنن أبي داود ٢/١٨٢، الصلاة باب الاستغفار. مسند الإمام أحمد ٤/٤٠٢، واللفظ له.
٣ مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/١٤٣.
٤ المرجع السابق ٥/٤٨٧-٤٨٨.
٥ لم أقف على مصدره فيما اطلعت عليه.
٦ مجموع فتاوى ابن تيمية ٦/٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>