للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان هذا حال أكثر الخلق مع المرسلين، مع قوة عقولهم وفهومهم وعلومهم، فلا تعجب مما جرى في هذه الأوقات، ممن هو مثلهم في عداوة الحق وأهله، والصد عن سبيل الله مع ما في أهل هذه الأزمان من الرعونات والجهل وفرط الغلو في الأموات، كما قال تعالى عن أسلافهم وأشباههم: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ، إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} ١.

فاحتج سبحانه على بطلان دعوتهم غيره بأمور: منها: {أنهم لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ٢. فالمخلوق لا يصلح أن يقصد بشيء من خصائص الإلهية، لا دعاء ولا غيره، "والدعاء مخ العبادة" ٣.

الثاني: كون الذين يدعونهم من دون الله أمواتا، غير أحياء، والمبيت لا يقدر على شيء فلا يسمع الداعي، ولا يستجيب له، ففيها معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} ٤، وفي هذه الآية أربعة أمور تبطل دعوة غير الله، وتبين ضلالة من دعا غير الله فتدبرها.

والأمر الثالث وفي هذه الآية قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ٥ ومن لا يدري متى يبعث، لا يصلح أن يُدعى من دون الله، لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة.

ثم بين تعالى ما أوجبه على عباده من إخلاص العبادة لله، وأنه هو المألوه والمعبود


١ سورة النحل: الآية "٢٠، ٢١، ٢٢".
٢ سورة النحل الآية "٢٠".
٣ تقدم تخريجه في ص ٣٠٩.
٤ سورة فاطر: الآية "١٣، ١٤".
٥ سورة النحل الآية "٢١".

<<  <  ج: ص:  >  >>