للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتكلف، حتى أن العدو١ الخارج عن شريعة الإسلام، لما قدم دمشق، خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم. قال بعضهم:

يا خائفين من التتر ... لوذوا٢ بقبر أبي عمر

ينجيكمو من الضرر

فقلت لهؤلاء الذين يستغيثون بهم: لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك، ولحكمة كانت لله في ذلك.

ولهذا كان أهل المعرفة في الدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة، لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر بإخلاص الدين لله، والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون إلا إياه ولا يستغيثون /لا/٣ بملك مقرب ولا نبي مرسل، فلما أصلح الناس أمورهم، وصدقوا بالاستغاثة بربهم، نصرهم على عدوهم نصرا عزيزا لم يتقدم نظيره، ولم يهزم التتار مثل هذه الهزيمة أصلا، لما صح من توحيد الله وطاعة رسوله، ما لم يكن قبل ذلك، فالله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ٤، كما قال تعالى في يوم بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} ٥. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كل يوم: "يا حي يا يقوم برحمتك أستغيث" ٦.


١ يقصد بالعدو، جيش التتار الذي غزى ديار الإسلام. وقد تقدم الحديث عنه في ص ٢٣٠.
٢ في الرد على البكري، ص ٣٧٧: أو قال: عوذوا ...
٣ زيادة في "د".
٤ هذا اقتباس من قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:٥١] .
٥ سورة الأنفال الآية "٩".
٦ سنن الترمذي ٥/٥٠٤، الدعوات، باب "٩٢"، قال الترمذي: "هذا حديث غريب". مشكاة المصابيح، ١/٧٥٣ "٢٤٥٤". الترغيب والترهيب، ١/٤٥٧. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٣/١٧٢. وللحديث شاهد في المستدرك للحاكم، ١/٥٠٩، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا نزل به هم أو غم قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>