للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفتور لها، لا بها، فافهم أيها الأخ، "واعط القوس باريها" ١.

وأما قولك: وإذا عرضت مضارها على العاقل منهم شهد بها وعابها:

فيقال: أي عاقل يراد هنا؟ أما العامة ومن لا عناية له بمعرفة الأحكام الشرعية والأصول الدينية، فعقولهم لا تصلح أن تكون ميزانا ٢ أو أن تستقل بحكم. وأما أهل العلم والدين وأهل البصائر من ورثة سيد المرسلين، فعقولهم يُرجع إليها مع اتفاقهم ٣.

وإن اختلفوا فالميزان هو الكتاب والسنة.

وقولك: وإذا وزنتها العقول السليمة، لا شك أنها لهو ولعب: فاللهو واللعب ما لا يعود بمنفعة أصلا، أو يعود بمضرة رجحت على مصلحته، وإدخال القهوة في هذا التعريف يحتاج إلى أصول ومقدمات؛ "لو يعطى الناس بدعواهم ... " الحديث ٤.

وما ذكرت من التعاليل قد يجري في كل مباح؛ كإضاعة المال، والاجتماع على القيل والقال، والحاجة إلى السؤال. وليس ذلك الوصف لازما للقهوة. وكذلك تُلهي كثيرا من الناس عن الصلاة، وتضيع عليهم الأوقات، فهذا قد يجري لأهل الشهوات والمبايعات والمزاورات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} الآية ٥.


١ اعط القوس باريها: مثل عربي، معناه: استعن على عملك بمن يحسنه من أهل المعرفة والحذق. وهو من قول الشاعر:
يا باري القوس بريا لست تحسنها ... لا تفسدنها وأعط القوس باريها
مجمع الأمثال للميداني، ١/٦٤٢؛ جمهرة الأمثال، ١/٦٦.
٢ وهكذا سائر العقول، لا تصلح أن تكون ميزانا في وضع الأحكام في الشرعيات. فذلك مرده إلى الشارع.
٣ وذلك في مجالات الاجتهاد عند عدم وجود النص.
٤ الحديث تقدم تخريجه في ص ٨١٤. وإيراد المصنف له هنا، للدلالة على أن إدخال الهوة ضمن أمور اللهو واللعب، لا يكتفى فيه بمجرد الدعوى، وإنما بحاجة إلى دليل.
٥ سورة المنافقون الآية "٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>