للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فقد خاطب السكران بها حال السكر بالكف عن الصلاة حتى يعلم ما يقول: فدل أن السكر لا ينافى الخطاب ولأن الأمة أجتمعت على صحة ردته فى حال السكر وأجمعوا على وجوب الحد عليه بالزنا والقذف وكذلك يلزمه ضمان ما يتلفه من الأموال فدلت هذه الأحكام أن التكليف قائم فى حقه وأن زال عقله بالسكر.

وقد قال بعض الأصحاب فى حين أقدم على الشرب كان عاقلا وقد تكلف شيئا محظورا أجرى الله العادة إلى زوال العقل به فجعل الزوال بالسبب المحظور بمنزلة القائم ولهذا المعنى إذا قتل الإنسان مورثه جعل المقتول كالحى حتى لم يورث منه وكذلك نقول أن التكليف متوجه على النائم وجعل كاليقظان بدليل شرعي قام عليه وهو إيجاب الصلاة عليه وأن استوعب النوم جميع وقت الصلاة وكذلك إذا انقلب على شيء أو أتلفه يجب عليه الضمان هكذا قال بعض الأصحاب.

والأصح عندى أن السكران متوجه عليه الخطاب ويجعل عقله بمنزلة القائم بالدلائل التى قامت عليه من جهة الشرع وإذا جعلنا عقله بمنزلة القائم شرعا استقام خطابه وتكليفه.

وأما النائم فالأولى أن يقال لا تكليف عليه فى حال النوم١ لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة" ٢ وذكر فيهم النائم ولأن النوم مباح فلا يجعل النائم بمنزلة اليقظان ويعتبر ما وجد من زوال الحس بالنوم ولا يجوز تكليف من لا حس له ولا علم وإنما وجوب القضاء بعد اليقظة للصلاة التي فاتته في حال النوم ووجوب غرامات المتلفات فإنما ذلك بالأمر بعد الانتباه.

قال الأصحاب ولا تكليف على الساهي فيما سها عنه وذلك لعدم علمه بما سها عنه لأنه لو كان عالما لم يكن ساهيا وأما المكره ففعله داخل تحت التكليف لأنه يقدر على تركه بأن يستسلم بما خوف به وهذا بخلاف حركة المرتعش لا يوصف بأنه.


١ انظر روضة الناظر ٤٩.
٢ ذكره البخاري الطلاق ٩/٣٠٠ باب الطلاق في الإغلاق معلقا وأبو داود الحدود ٤/١٣٩ ح ٤٤٠٣ والترمذي الحدود ٤/٣٢ ح ١٤٣٣ والنسائي الطلاق ٦/١٢٧ باب من لا يقع طلاقه من الأزواج وابن ماجه الطلاق ١/٦٥٨ ح ٢٠٤١ وأحمد المسند ١/١٤٧ ح ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>