للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكره عليها لأنه لا يقدر على تركها فالإكراه لا ينافي العلم والقصد فلا ينافي دخول فعله تحت اقتداره واختياره فلم يسقط التكليف.

وقال بعض المتكلمين أن فعل المكره لا يدخل تحت التكليف وليس لأهل هذه الطائفة تعلق إلا ادعاؤهم فقد الاختيار.

قالوا: ولا تكليف مع عدم الاختيار١ وربما يقولون أنه غير مريد لما أكره عليه.


١ اعلم أن الإكراه هو: حمل الشخص غيره على ما لا يرضاه من قول أو فعل وهو نوعان أحدهما الإكراه الملجئ وهو الذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار كإلقاء الشخص من أعلى الجبل.
الثاني الإكراه غير الملجئ وهو الذي لا يبقى معه اختيار وإن بقيت معه القدرة "مثل أن يكره شخص غيره على قتل آخر فبقول له: اقتل فلانا وإلا قتلتك ويعلم المكره أنه إن لم يقتل ذلك الشخص قتل هو" ويتحقق الإكراه بقتل النفس أو بذهاب عضو من الأعضاء أو بغير ذلك مما هو معروف في كتب الفروع.
وقد اتفق الأصوليون على أن الإكراه الملجئ يمنع التكليف بالمكره عليه كما يمنع التكليف بضده لأن من شروط التكليف أن يكون الفعل مقدورا للمكلف بمعنى أن يتأتى له فعله كما يتأتى له تركه والإكراه الملجئ لا تبقى معه قدرة للمكلف لا على المكره عليه لأنه أصبح واجب الصدور عقلا ولا على ضده لأنه ممتنع الوقوع عقلا وكل من الواجب العقلي والممتنع العقلي لا يدخل تحت قدرة المكلف فلا يكلف بواجد منهما اللهم إلا إذا قلنا يجوز التكليف بما لا يطاق وأما الإكراه غير الملجئ فللأصوليين كلام فيه يتلخص فيما يأتي به قال جمهور الأشاعرة أن الإكراه غير الملجئ لا يمنع التكليف بضده المكره عليه بل إن المكره قد يكون مكلفا بعين المكره عليه وقد يكون مكلفا بضده فإذا أكره مثلا على شرب الخمر بحيث لو لم يشرب قتل وجب عليه أن يشرب لأن الشرب في هذه الحالة يكون مباحا لأنه مضطر إليه والله تعالى يقول: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} وفعل المباح متى ترتب عليه ترك الحرام كان واجبا ففي هذه الحالة يكون مكلفا بعين المكره عليه.
وإذا أكره على قتل المسلم بحيث لو لم يقتله قتل هو كان مكلفا بضد المكره عليه وهو عدم القتل لأن قتل المسلم بغير حق منهي عنه ولا يجوز الإبقاء على نفسه بذهاب حياة غيره.
وقالت المعتزلة: إن كان المكره عليه مأمورا به كان الإكراه عليه مانعا من التكليف به بمعنى أن فعل المكره له لا يسقط عنه التكليف به لأن فعل المأمور به في هذه الحالة لا يوجب ثوابا عليه لكونه أتى به لداعي الإكراه ولم يأت به لداعي الطاعة وحيث كان الإتيان بالمأمور به لم يحقق الفائدة المقصود منه امتنع التكليف به لما فيه من العبث.
أما إن كان المكره عليه معصية كالقتل أو السرقة أو الغصب كان المكره مكلفا بضد المكره عليه لأن ترك المكره عليه في هذه الحالة أبلغ في إجابة داعي الشرع والثواب عليه أعظم فالإكراه...........=

<<  <  ج: ص:  >  >>