البير ونزعه والأمر بصعود السطح أمر بنصب السلم وقد بينا هذا من قبل وإذا كان الأمر بالشىء أمرا بما لا يتم المأمور إلا به فنقول أن فعل الشىء لا يحصل إلا بترك ضده مثل الحركة لا تحصل إلا بتركها السكون وكذلك السكون لا يحصل إلا بترك الحركة فصار الأمر بالشىء نهيا عن ضده معنى هذا الطريق ولهذا يكون الأمر بالإيمان نهيا عن الكفر لأنه ضده وكذلك الأمر باللبث فى المكان نهى عن ضده وهو الخروج والأمر بالقيام نهى عن القعود وأشباه هذا كثير وهذا هو المراد من قولنا أن الأمر بالشىء يكون نهيا عن ضده فإن أعجبهم عن استعمال لفظ النهى وهو الوفاق وأن لم يعجبهم هذا اللفظ وقالوا: إنما قلناه معنى تعينت المخالفة فى نفس التسمية ولا مبالاة بها بعد الموافقة فى المعنى وأن خالفوا فى اللفظ والمعنى جميعا كان خروجا عن المعقول فيكون باطلا.
والأولى أن نقول أن المسألة مصورة فيما إذا وجد الأمر وقضينا أنه على الفور فلا بد من ترك ضده عقيب الأمر كما لا بد من فعل المأمور عقيب الأمر وأما أن قلنا أن الأمر على التراخى فلا تظهر المسألة هذا الظهور فالأولى تصويرها فى الجانب.
وأما الجواب عما ذكروه فأما الأول فتعلقهم بالنوافل باطل لأن النوافل عندنا غير مأمور بها فإن عندنا ما ليس بواجب لا يكون مأمورا به ولئن تناوله الأمر يكون على طريق المجاز ثم نقول الأمر الذى يفيد الوجوب يكون نهيا عن ضده وأما الأمر الذى يفيد الاستحباب إنما يفيد النهى عن ضده بما يناسب الاستحباب والاستحباب أن يكون فعل الشىء أولى من تركه فالحكم فى ضده أن يكون تركه أولى من فعله.
وأما كلامهم الثانى ففى نهاية الضعف لأنه يجوز أن يجتمع العلم بالشىء والعلم بضده وكذلك القدرة على الشىء وضده فأما فعل الشىء وفعل ضده لا يتصور اجتماعهما والأمر يقتضى الفعل فهذا الوجه عمل في ضده بالنهى عنه.
وأما كلامهم الثالث الذى ذكروه فليس بشىء أيضا لأنا نجعل الأمر بالشىء نهيا عن ضده لا من حيث اللفظ ولكن من حيث المعنى وهو أنه لا يتوصل إلى فعل الشىء إلا بترك ضده وهذا المعنى فيما له ضد واحد وفيما له أضداد واحد فسواء كان له ضد واحد وأضداد فلا بد من ترك الكل حتى يفعل المأمور وأما النهى عن الشىء هل يقتضى الأمر بضده فإن كان الشىء له ضد واحد مثل الحركة والسكون.