للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك بوجوه فيها أن القائل به لا يخلوا أما أن يقول: أن الأمر بالشيء نهى عن ضده من حيث اللفظ ومن حيث المعنى فإن قلتم من حيث اللفظ فهذا مدفوع من حيث المشاهدة والمحسوس.

وهذا لأنا سمعنا الأمر من قوله لغيره افعل فكيف تسمع النهى من هذا اللفظ وهو ضده.

فإن قلتم من حيث المعنى فليس المعنى إلا أن الحكيم إذا أراد شيئا فقد كره ضده وإذا حسن شيئا فقد قبح ضده وهذا لا يوجب أن يكون الأمر بالشيء نهيا عن ضده لأن الله تعالى قد أمرنا بالشيء من غير أن يكره ضده كالنوافل فإنه تعالى أمر بها ولم يكره ضدها لأنه لو كره ضدها لم تكن النوافل نوافل بل كانت واجبات فمنها أن الأمر بالشيء لو كان نهيا عن ضده وجب أن يكون العلم بالشيء جهلا عن ضده والقدرة على الشيء عجزا عن ضده كما قلتم أن أرادة الشيء تكون كراهية لضده.

فيؤدي ما قلتم إلى أن يكون الشيء نصفه ضده لأن الكراهة ضد الأرادة فلو كانت الإرادة كراهة لضده لكان الشيء نصفه ضده وهو باطل.

ومنها أن الشيء إذا كان له ضدان مثل السواد فإن البياض والحمرة ضدان له فيجب إذا أراد السواد أن يكون كارها للحمرة والبياض والحمرة ضد البياض كما أنها ضد السواد فكان المحب إذا كره البياض لإرادته السواد أن يكون مريدا للحمرة لأن كراهية البياض إرادة للحمرة لأنها ضده ثم إذا كان مريدا للحمرة وجب أن يكون كارها للسواد والبياض جميعا لأنهما ضدان له فيجب على هذا أن يكون كل واحد من هذه الأضداد مرادا مكروها وهذا باطل وما أدى إليه يكون باطلا.

وأما حجتنا قلنا أن الأمر بالشيء أمر بما لا وصول إليه إلا به ولا يتم إلا بفعله مثل الأمر بالحج أمر بالسعى إلى مكان الحج قبله.

والأمر بالاستقاء أمر بإدلاء الدلو في.


= وتنزيه لأن الأمر كان للندب.
ومن هذا العرض يتبين أن المذهب القائل: إن الأمر بالشيء إيجابا أو ندبا يستلزم النهي عن ضده تحريما أو كراهة هو المذهب الراجح انظر المحصول لفخر الدين الرازي ١/٢٩٣ - ٢٩٤ المستصفى للغزالي ١/٨١ المعتمد لأبي الحسين البصري ١/٩٧ نهاية السول للأسنوي ١/٢٢٢ شرح المنار لابن مالك ص ١٩٢ - ١٩٣ القواعد لابن اللحام ص ٢٤٤ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ١/١٣١.
مما ذكر شيخي: الحسيني الشيخ في محاضرته في كلية الشريعة جامعة الأزهر - قسم الأصول - الدراسات العليا.

<<  <  ج: ص:  >  >>