بالمنهى عنه فيتبقى صفة المشروعية عن المنهى من وجه مع تصوره فى نفسه وبقاء حقيقته وربما يعبرون عن هذا فيقولون يخرج عن المشروعية بوصفه ويبقى مشروعا بأصله وبيان هذا قد ذكروه فى مسائل الخلاف.
وأما حجة من يقولون أن النهى لا يقتضى فساد المنهى عنه قالوا: الحال لا يخلوا أما أن يكون النهى مقتضيا فساد المنهى عنه من حيث لفظ النهى ووضعه لغة ومن حيث الشرع أو من حيث النظر إلى معناه.
فأما الأول فباطل لأن النهى طلب ترك الفعل والأمر طلب الفعل لغة وهذا لايدل على فساد ولا على صحة لأن الفساد والصحة أمران شرعيان لا يعرفان من حيث اللغة بحال ولا يدل عليهما من جهة اللفظ بوجه ما.
وأما الثانى فهو باطل أيضا لأن الفساد من حيث الشرع لا يعرف إلا بنقل ولا نقل عن السماع فى فساد المنهى عنه بالنهى شرعا ولو كان لعثرنا عليه بالبحث وقد بحثنا فلم نجده يدل عليه أنا رأينا مناهى وردت فى الشرع ولم تقتض فساد المنهى عنه والدليل عليه الصلاة فى الأرض المغصوبة فإنها منهى عنها وليست بفاسدة وكذلك البيع وقت النداء وكذلك الطلاق فى حال الحيض منهى عنه ومع ذلك هو واقع محكوم بصحته ووقوعه وكذلك البيع فى آخر وقت الصلاة منهى عنه وهو جائز وكذلك الإحرام محكوم بالنهى عنه وهو منعقد وقد قال بعض من نصر هذا القول أنه لابد من معرفة معنى الفاسد والصحيح فإن فى معرفة معناه زوال معظم الشغل فى المسألة.
قالوا: ومعنى الفاسد أنه لايقع موقع الصحيح فى الحكم بحال حتى استعمل فى الصلاة والصيام أفاد أن القضاء واجب وإذا استعمل فى العقود أفاد أن التمليك لايقع بها وإذا استعمل فى الإيقاعات من الطلاق والعتاق أفاد أن لاعضل وإذا استعمل فى الشهادة أفاد أن الحاكم لا يحكم بها وأما معنى الجواز فعلى الضد من هذا فيفيد استعماله فى الصلاة والصيام سقوط القضاء وفى العقود وقوع الملك وفى الإيقاعات حصولها وفى الشهادة يفيد أن القاضى بها إذا عرفنا معنى الفساد والجواز ليس فى المنهى دليل على أنه إذا فعل المنهى لا يقع موقع الصحيح فى الحكم لأنه من حيث صيغته ليس إلا طلب ترك الفعل ومن حيث المعنى يدل على كراهة الناهى لفعل المنهى عنه أو يدل على القبح لأن الناهى إذا كان حكيما فلا بد أن يكون المنهى قبيحا وإلا.