للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يحسن النهى بقبح المنهى وكراهة الناهى له لا يدل على فساده من حيث الحكم بدليل المسائل التى قدمنا.

ويدل عليه أن الذبح بالسكين المغصوب منهى عنه وكذلك التوضؤ بالماء المغصوب وقد وقعا مواقع الصحيح فثبت أن النهى لا يدل على الفساد لا من حيث الصيغة ولا من حيث الشرع ولا من حيث المعنى.

قالوا: ولأن النهى إذا أفاد الفساد لكان ما لا يفسد من الأفعال القبيحة لا يكون منهيا عنه على التحقيق لأن اللفظ المستعمل فى غير ما وضع له يكون مجازا ولا يكون حقيقة.

وقد قال بعضهم أن لفظ النهى لغوى والفساد معنى شرعى ولا يجوز أن يكون اللفظ اللغوى موضوعا له لأن أهل اللسان قد تكلموا بهذا ولم يعرفوا شرعا ما يدل أنه لا يجوز أن يقتضيه لفظ النهى قال ولا يجوز أن يكون الفساد من حيث القبح لأن قبح الشيء لا ينافى ثبوت الحكم لا محالة لأن الحكم قد نهى عن الشيء لنوع مفسدة معلق به وأن وقع موقع الصحيح فى الحكم وذلك أن يتشاغل به عن واجب مثل البيع مع تعين السعى إلى الجمعة أو مع تعين التحريم عليه أو تعين إنقاذ غريق أو حريق وإذا أكن هذا لم يأمن أن يكون النهى عن البيع أو الطلاق وغيرهما كان لغرض سوى أن أحكامها لا تثبت وإذا جاز ذلك لم يقتض صحة الفساد وأما أبو زيد فالذى يحضرنى من كلامه فى هذه المسألة هو أن النهى لا يصح عن غير المتكون لأن النهى يرد والمراد به انعدام الفعل مضافا إلى اختيار العباد وكسبهم فلا بد من أن يكون المنهى عنه ليكون العبد مبتلى بين أن يكف عنه باختياره فيثاب عليه وبين أن يفعله باختياره فيعاقب عليه فثبت أن النهى لا يتصور إلا من متكون من العبد قالوا: ولهذا لا يصح أن يقال للأعمى لا تبصر وللأدمى لا تنظر لأنه لا يكون منه ويجوز أن يقال للبصير لا تبصر كذا وكذلك للسميع لا تسمع كذا لأنه يتكون منه وربما يعبرون عما قلنا فيقولون أن النهى لطلب الامتناع من المنهى عنه فلا بد من تصور المنهى عنه حتى يتحقق النهى عنه فعلى هذا المنهى عنه الصوم فى يومى العيد وأيام التشريق والبيع أيضا هو المنهى عنه مع الشرط الفاسد وكذلك الصلاة عند غروب الشمس والصوم اسم لفعل مخصوص وكذلك الصلاة والبيع اسم لقول مخصوص وهو الذى جعل سببا للملك شرعا فوجب تصور الصوم والصلاة والبيع بعد النهى

<<  <  ج: ص:  >  >>