ليتحقق النهى عنه شرعا قالوا: ولا يجوز أن يقال أنه تصور صورة الإمساك وصورة أفعال الصلاة وصورة الإيجاب والقبول لأن الصوم إنما صار صوما بصورته ومعناه وكذلك الصلاة وكذلك البيع والمعنى فى الصلاة والصوم كونه صلاة وصوما فى حكم الله تعالى والمعنى فى البيع كونه مفيدا للملك فإذا لم يوجد هذا المعنى فى هذه الأشياء لم توجد هذه الأشياء أصلا وقد بينا أنه لا بد من تصور المنهى عنه ليصبح النهى.
والحرف أن الذى يحقق موجودا ليس بصلاة ولا صوم ولا بيع قالوا: والفسخ ينزل من النهى فى طرف مناقض له لأن النهى إعدام الشيء بفعل العبد فأما الفسخ فهو إعدام الشىء مشروعا لينعدم فعل العبد لا نعدامه مشروعا والنهى لا لا نعدام المشروعية بل لينعدم الشىء بفعل العبد مع بقاء المشروعية.
قالوا: أما كون المنهى عنه محظورا فلا ينافى المشروعية لأنه يجوز أن يكون الشيء مشروعا من وجه محظورا من وجه فصار المفعول مشتملا على حظرية ومشروعية وإنما أثبتنا المشروعية مع الحظر لأجل الضرورة على ما سبق فإن قلتم أن نص الشارع على هذا لا يجوز مثل أن نقول حظرت عليك هذا الشىء وشرعته لك فلا يجوز وعلى أنه يجوز أن ثبت بطريق ما لا يثبت بطريق التنصيص وهذا كالأمر بالشىء نهى عن ضده وكذلك النهى عن الشىء أمر بضده إذا كان له ضد واحد فصار الشرع من مقتضيات النهى ضرورة والحظر من مقتضيات الأمر ضرورة وأن كان لا يجوز ذلك بطريق التنصيص وعلى أن الشىء الواحد يجوز أن يكون مشروعا من وجه محظورا من وجه بدليل المسائل التى قلناها وكذلك وطء الأب جارية ابنه ووطء أحد الشريكين الجارية المشتركة.
وقال بعضهم القبح صفة قائمة بالمنهى فكان تابعا فلا يجوز إثباته على وجه يبطل به ما أوجبه واقتضاه.
وبيان هذا أن النهى أوجب القبح فإذا أثبتناه على وجه يفسد به المنهى عنه وفى فساد المنهى عنه فساد النهى على ما سبق.
كما أثبتناه على وجه يبطل به ما اقتضاه وأوجبه فعملنا بالأصل وهو النهى على ما يتصور معه المنهى وعملنا بالمقتضى وهو الفسخ بقدر الإمكان وهو أن نجعل المنهى عنه غير مشروع بوصفه لأن القبح وصف يبطل المشروعية من حيث الوصف فأبقينا.