للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلتم لم يكن نقصا وقبيحا نقول لو لم يكن قول القائل ضربت كل من فى البلد إلا بنى تميم نقصا وقبيحا لكان قوله ضربت كل من فى الدار لم أضرب كل من فى الدار غير قبيح ولا مناقصة وحين كان نقصا وقبيحا كان الأول نقصا وقبيحا وربما تعلقوا بالاستثناء من وجه آخر فقالوا: لو كان لفظ العموم يستغرق لجرى للاستثناء منه مجرى أن يعدد الإنسان أشخاص الجنس ثم يستثنى منه شخصا نحو أن يقول: رأيت زيدا رأيت عمرا رأيت خالدا هكذا إلى آخره ثم نقول إلا زيدا فإذا قبح هذا وجب أن يقبح الأول لأنهما فى المعنى واحد على زعمكم ولما حسن الاستثناء علمنا أن لفظ العموم غير مفيد للشمول.

وقالوا: أيضا لو كان لفظ العموم مستغرقا لكل الجنس لما حسن أن يستقيم المتكلم به لأن الاستفهام طلب الفهم وطلب فهم ما قد فهم بالخطاب عبث ومعلوم أن الإنسان إذا سمع رجلا يقول: ضربت كل من فى الدار فإنه يحسن منه أن يقول: ضربتهم كلهم أجمعين وأن يقول: ضربت زيدا فيهم وفى حسن ذلك دليل على ما قلناه كما سبق وكذلك يحسن التأكد وإذا أفاد الشمول لما حسن لأن التأكيد يفيد ما أفاده المؤكد وذكروا شبهة فى لفظ من قالوا: لو كان لفظ من يفيد الاستغراق لاستحال جمعه لأن الجمع يفيد أكثر مما يفيده المجموع وإذا كان لفظ من قد أفاد الاستيعاب عندكم فلا يتصور أن يفيد جمعه شيئا زائدا فينبغى أن لا يصح جمعه وحين صح جمعه دل أن لفظ من لا يفيد الاستيعاب بنفسه والدليل على وجود الجمع فى كلمة من قول الشاعر:

أتوا [بابى] ١ فقلت: [من] ٢ أنتم ... فقالوا: الجن قلت: عموا ظلاما

قالوا: ولأن اللفظ الذى يقولون لو كان يفيد العموم وجب إذا حمل على الخصوص أن يكون مجازا لأنه يكون مستعملا فى غير ما وضع له واللفظ إذا استعمل فى غير ما وضع له يكون مجازا كسائر الألفاظ التى استعملت فى غير ما وضع لها وربما يقولون ينبغى أن لا يجوز تخصيص العموم الوارد فى الكتاب بالسنة لأنه إسقاط بعض ما يثبت بالكتاب والسنة أو القياس فينبغى أن لا يجوز كما لا يجوز النسخ وحين جاز دل على ما قلناه.


١ ثبت في الأصل "باري".
٢ ثبت في الأصل "منون".

<<  <  ج: ص:  >  >>