للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حجة القائلين بالصيغة للعموم قوله تعالى فى قصة نوح عليه السلام: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: ٤٥] فأخبر الله تعالى عن نوح أنه تعلق بعموم اللفظ ولم يعقب ذلك بنكير بل ذكر جوابه له أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح فدل أن مقتضى اللفظ العموم وأن له صيغة يتعلق بها فى الحجة وأيضا فإنه روى أنه لما نزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الانبياء:٩٨] قال عبد الله بن الزبعرى خصمت محمدا ورب الكعبة فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد عبدت الملائكة وعبد المسيح فإن دخلوا النار فنحن ندخل كما دخلوا فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ١ [الانبياء:١٠١] فاحتج على النبي صلى الله عليه وسلم بعموم اللفظ إلى أن أخبر الله تعالى أن الملائكة والمسيح غير داخلان فى عموم اللفظ ولو كان اللفظ لا يقتضى العموم لما احتج به ولكان إذا احتج به أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولأن الله تعالى أخبر أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام فقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [الأعراف: ١١] ثم أخبر ما قال لإبليس بترك السجود ورد الأمر وهو قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [صّ: ٧٥] وقال: {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف: ١٣] فلما أخبر تعالى عن مبادرة الملائكة إلى السجود دل أنهم عقلوا من مطلق اللفظ الشمول إذ لولاه لتوقفوا ولم يبادروا ولأن إبليس لما امتنع عن السجود واستكبر وعاقبه الله تعالى وطرده لم يقل معتذرا إنى لم أعرف دخولى فى اللفظ فإن الكلام للعموم والشمول بل عدل إلى شىء آخر فقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢] فهذه القصة من أولها إلى آخرها تدل أن للأمر والنهى والعموم والخصوص صيغة معلومة وقضية مفهومة لا يجوز خلافها بمطلق اللفظ وبمحض الصيغة.

ويدل عليه أن إبراهيم عليه السلام لما سمع من الملائكة قولهم: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} [العنكبوت: ٣١] عقل منه العموم ولذلك خاف الهلاك على لوط فقال: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} [العنكبوت: ٣٢] ولم يسكن قلبه حتى أخرج الملائكة لوطا وأهله من المهلكين بضرب تخصيص واستثناء فقالوا: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [العنكبوت: ٣٢] .


١ عزاه الحافظ السيوطي إلى أبي داود في ناسخه وابن المنذر وابن مردويه انظر الدر المنثور ٤/٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>