الوجيز فى هذا أن علينا أن نعتقد العموم فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ونجعله حجة على كل من يخالفه وليس علينا أن نتفحص عن قول من يخالفه أنه من أين قال بل يحتمل أنه عن قياس فاسد ورأى باطل وخلاف من ليس بمعصوم عن الخطأ لا يقابل قول من هو معصوم عن الخطأ وعلى هذا نقول قول ابن عباس أن المرتد لا يقتل أن ثبت عنه لا يخص به عموم قوله عليه السلام:"من بدل دينه فاقتلوه" ١ وأما تفسير الراوى لأحد محتملى الخبر يكون حجة فى تفسير الخبر كالذى رواه ابن عمر أن المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا وفسره بالتفريق بالأبدان لا بالأقوال فيكون أولى لأنه قد شاهد من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرف به مقاصده وكان تفسيره بمنزلة نقله والفرق بين تفسيره وتخصيصه بمذهبه أن تفسيره موافق للظاهر غير مخالف له فأخذ به وأما مذهبه مخالف فلا يخص به على ما سبق.
وأما التخصيص بالقياس.
فقد اختلف فيه مثبتوا القياس فذهبت شرذمة من الفقهاء وكثير من المعتزلة إلى أن تخصيص العموم بالقياس لا يجوز لأن ظاهر العموم أقوى من القياس فلم يجز أن يخص القياس والدليل على أنه أقوى أنه دليل علمى والقياس دليل ظنى ولا شك أن العلمى أقوى من الظنى ولأنه لما لم يجز النسخ بالقياس لا يجوز التخصيص به ولأن العموم نص والقياس يستعمل مع عدم النص.
وقال عيسى بن أبان وهو الظاهر من مذهب أبى حنيفة أنه يجوز أن يخص بالقياس عموم دخله التخصيص ولا يجوز أن يخص به عموم لم يدخله التخصيص وذهب أبو بكر محمد بن أبى طالب الأشعرى وجماعة من متأخريهم إلى أن العموم والقياس إذا تقابلا وجب الوقف عن استعمال أحدهما لتكافئهما من حيث أن كل واحد منهما صار حجة فعليه يتوقف حتى يقوم دليل يوجب ترجيح أحدهما وأما الشافعى ومالك وأكثر الفقهاء ذهبوا إلى جواز تخصيص العموم بالقياس لأنه دليل شرعي منصوب لمدارك الأحكام فيخص به العموم كسائر الدلائل.
ببينة أن فى تخصيص العموم بالقياس استعمالا لدليلى العموم والقياس جميعا فكان أولى من استعمال أحدهما وإسقاط الآخر ولأن القياس يدل على الحكم من.