للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه ما ذكرنا أن اللفظ العام يجب إجراره على عمومه إلا أن يضطرنا شىء إلى تخصيصه وكون آخر الكلام مخصوصا لا يضطر إلى تخصيص أوله فإن ادعى المخالف لهذا ضرورة وقال أن الكناية ترجع إلى جميع ما تقدم لأن قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} معناه إلا أن يعفوا النساء اللوائى طلقتموهن ولو أن الله تعالى صرح بذلك دل ذلك أن النساء المذكورات فى أول الكلام هن اللوائى يصح منهن العفو.

ألا ترى أن من قال من دخل الدار من عندى ضربته إلا أن يتوبوا انصرف ذلك إلى جميع العبيد وجرى مجرى أن نقول إلا أن يتوب عبيدى الداخلون الدار والجواب أن هذا كله لا يوجب ضرورة لأن الضرورة المخصصة هى وجود التنافى بين ظاهر العموم وبين الدليل المخصص ومعلوم قطعا أنه لا ضرورة فى مثل هذا فى مسألتنا لجواز أن يريد المخاطب الاستيعاب من أول الآية ثم يعقبه باستثناء أو صفة تخص تعيين من أريد بالاستيعاب وهذا غير ممتنع بوجه ما فلم تثبت المنافاة وإذا لم تثبت المنافاة يظل التخصيص وأجرى الكلام الأول على عمومه وقد قال من يقول: بالوقف أن هذا العموم المقدم يقتضى الاستغراق فظاهر الكناية يقتضى الرجوع إلى كل ما تقدم فليس التمسك بظاهر العموم والعدول عن ظاهر الكناية بأولى من التمسك بظاهر الكناية والعدول عن ظاهر العموم وإذا لم يكن أحدهما بأولى من الآخر وجب التوقف والجواب عن هذا بالطريق الذى سبق وهذا لأن اللفظ الأول ظاهر فى العموم وما نرى لما ذكروا من الكناية ظاهرا يمكن التوقف فى الظاهر الأول.

مسألة المعطوف لا يجب أن يضمر فيه جميع ما يمكن إضماره مما فى المعطوف عليه بل إنما يضمر مما فى المعطوف عليه بقدر ما يفيد ويستقل به.

وعند أصحاب أبى حنيفة يضمر فيه جميع ما سبق مما يمكن إضماره ومثال هذا الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد فى عهده" ١ فعندنا يضمر ولا يقتل ذو عهده على معنى المنع من القتل وعندهم يضمر ولا يقتل ذو عهد فى عهده بكافر٢ فعلى هذا قالوا: أن الكافر الذى لا يقتل به ذو العهد هو الحربى فيكون قوله.


١ أخرجه أبو داود الديات ٤/١٧٩ ح ٤٥٣٠ والنسائي القسامة ٨/١٨ باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس وابن ماجه الديات ٢/٨٨٧ ح ٢٦٦.
٢ انظر المعتمد ١/٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>