واستدل من ذهب إلى هذا فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقتل مؤمن بكافر وعطف على ذلك قوله ولا ذو عهد فى عهده بكافر ومعلوم أن ذا العهد يقتل بالذمى ولا يقتل بالكافر الحربى فكان قوله لا يقتل مؤمن بكافر معناه بكافر حربى لأن المضمر فى المعطوف هى المظهر فى المعطوف عليه فإذا كان المضمر فى المعطوف مخصوص فى الحربى فيجب أيضا تخصيص المعطوف عليه بالحربى قالوا: ولا يجوز أن يقال أن الكلام يفيد ويستقل بإضمارنا قوله ولا يقتل فلا يزاد عليه لأن الإضمار لا يقف على ما يستقل عليه الكلام بل يضمر فيه جميع ما سبق.
ألا ترى أن الإنسان لو قال لا يقتل اليهود بالحديد ولا النصارى كان معناه ولا يقتل النصارى بالحديد ولا يقتصر فيه على إضمار القتل فقط وإن كان يستقل به.
وكذلك لو قال رجل لغيره لا تشتر اللحم بالدراهم الصحاح ولا الخبز كان معناه ولا تشتر الخبز بالدراهم الصحاح وإنما كان كذلك لأن العطف يفيد اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى حكم المعطوف عليه وحكم المعطوف عليه فى المثال الأول المنع من القتل بالحديد لا المنع من القتل أصلا وفى المثال الثانى حكم المعطوف عليه هو المنع من شراء الخبز بالدراهم الصحاح لا المنع من الشراء بالدراهم على الإطلاق لأن المنع من الشراء على الإطلاق غير مذكور فلا يتصور فيه مشاركة كذلك هاهنا المنع من القتل ابتداء غير مذكور فلا يتصور المشاركة فيه.
ودليلنا فى أن المعطوف إنما يضمر فيه من المعطوف عليه ما يستقل به ويفيده وهذا لأن فقد استقلاله وعدم فائدته أوجب الإضمار فلا يجب من الإضمار إلا قدر ما يستقل به ويفيده ومعلوم أن قوله ولا ذو عهد فى عهده يستقل ويفيد بإضمارنا قوله ولا يقتل فلا يراد لأنه تكون الزيادة إضمارا من غير حاجة إلى الإضمار يدل عليه أنا إذا أضمرنا الكافر فى قوله ولا ذو عهد فى عهده حتى يكون معناه وال يقتل ذو عهد فى عهده بكافر ثم وجب بدليل أن يكون ذلك مخصوصا فى الحربى ولم يجب أن يكون قوله لا يقتل مؤمن بكافر مخصوص فى الحربى.
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لو صرح وقال:"لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد فى عهده بكافر" ثم علمنا بدلالة أن ذلك مخصوص فى الحربى لم يجب أن يكون أول الكلام مخصوصا فى الحربى فإذا قام مثل هذه الدلالة يكون معنى الأول لا يقتل مؤمن بكافر.