فاستثنى الأوارى فى الأول من قوله وما بالريع من أحد وفى الثانى استثنى اليعافير وهى الظبا والعيس وهى الإبل من الأنيس.
وحكى سيبويه عن العرب ما رأيت اليوم أحدا إلا حمارا أو ثورا.
وأما حجة من لم يجوزه على الإطلاق فظاهر وقالوا: الدليل عليه أن الاستثناء إخراج بعض ما دخل فى الجملة وغير الجنس غير داخل فى الجملة فلا يصح استثناؤه منها لأن غير الداخل لا يتخيل استخراجه كما أن غير الخارج لا يتخيل إدخاله ولأنه أحد ما يخص به العام فلم يصح فيما لم يدخل فى العموم كالتخصيص بغير الاستثناء ولأنه يقبح أن تقول جاءنى الناس اليوم إلا الكلاب أو رأيت الحمير إلا الناس ومن قال هذا من أهل اللغة كان ملغزا فى الخطاب عادلا عن تبيين الصواب وهذا لأن الاستثناء مع المستثنى منه يكون صحتها وارتفاع أحدهما بالآخر بنوع من التمانع والتدافع ولهذا يقال أن الاستثناء من المنفي إثبات ومن الإثبات نفى وإنما يتصور التمانع والتدافع والتنافى فى الجنس الواحد لأن اللفظ الأول يدخله والثانى يخرجه فيقع التنافى وأما في غير الجنس فلا يتصور هذا فإن اللفظ الأول إذا لم يتناوله بالإدخال فلا يكون الثانى مخرجا ولا يقع التنافى والتمانع فثبت أن الاستثناء حقيقة لا يكون إلا من الجنس.
وأما الذى تعلقوا به أما الآية الأولى فالصحيح أن إبليس كان من الملائكة ولهذا تناوله الأمر بالسجود ولو لم يكن من الملائكة لم يتناوله الأمر بالسجود.
وأما قوله تعالى:{كَانَ مِنَ الْجِنِّ}[الكهف: ٥٠] فقد قيل كان من قبيلة من الملائكة يسمون الجن وعلى أن جميع ما نقلوه هو على طريق المجاز والكلام فى الحقيقة.
وأما المذهب الثالث وهو صحة الاستثناء من طريق المعنى فهو المختار على مذهب الشافعى رحمه الله تعالى وليس فيه نفى ما قلناه أن الاستثناء من غير جنس المستثنى منه لا يكون حقيقة لأن هذا الذى ادعيناه راجع إلى اللفظ وهو على ما ذكرناه وإنما جوزنا الاستثناء حين جوزناه من طريق المعنى وسبب جوازه اتفاق معنى الجنسين من وجه فيصير الاستثناء له إلى المعنى المتجانس لأن اللفظ مختلف.
ولهذا قال الشافعى لو قال لفلان على ألف درهم إلا دينارا أو مائة دينار إلا ثوبا.