للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يترك الناس هذا القياس وهذا النظر ولا يقفون على قضيته وموجبه أو يعدل عن هذا النظر عادل أو يستعمل غير جهته مستعمل.

وحين لم يتصور شىء من هذه الوجه دل أنه معرفة ضرورية بمعرفة قياسية ويجوز أن يصحح قول الشافعى فيقال إنما قال الشافعى ذلك لأن الضرب والشتم غير مذكور فى خطاب قوله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الاسراء: ٢٣] وإنما استدرك علمه وأن لم يذكر فى الخطاب من ناحية المذكور ويلقيه من قبله فأثبته علمنا بالفرع من ناحية أصله.

وأيضا فإنه لا بد من نوع نظر فإن ما لم يعرف قصد المتكلم وأنه أخرج الكلام لمنع الأذى لا يجعل له هذا العلم.

ألا ترى أنه يحسن أن يقول الرجل لغيره لا تشتم فلانا ولا تواجهه بقبيح ولكن اقتله ويقول: لا تضربه ولكن اقتله.

وأمثال هذا يوجد كثيرا وإنما حبس ذلك لأن مقصوده لم يكن دفع الأذى عنه ولكن كان مقصوده إيقاع فعل دون فعل ويجوز أن يقصد العاقل فعلا ما فى عينه ولا يقصد فعل ما دونه.

فأما إذا كان قصد المخاطب دفع الأذى بالمنع من التأفيف المنع من الشتم والضرب من طريق الأولى كما سبق فهذا تصحيح ما صار إليه الشافعى وسيأتى بأجلى من هذا فى باب القياس.

وأما لحن الخطاب١ فقد قيل ما أضمر فى أثناء اللفظ وقيل لحن الخطاب ما يدل على مثله والفحوى ما دل على ما هو أقوى منه.

وأما مفهوم الخطاب فما عرف من اللفظ بنوع نظر وقيل ما دل عليه اللفظ بالنظر فى معناه ومن فرق من أصحابنا بين دليل الخطاب ومفهوم الخطاب فلا يتجه له فرق صحيح.

والجملة أن فحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب أدلة يستخرج بها ما اقتضته ألفاظ الشارع من الأحكام.

واعلم أن حقيقة دليل الخطاب أن يكون المنصوص عليه صفتان فيعلق الحكم بإحدى الصفتين وأن شئت قلت: فيقيد الحكم بإحدى الصفتين فيكون نصه مثبتا للحكم مع وجود الصفة فدليله نافيا للحكم مع عدم الصفة كقوله عليه السلام: "فى الغنم


١ وهو مفهوم الموافقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>