القائل اضرب الرجال الطوال والقصار عطف وليس بنقض ولو كان قوله اضرب الرجال الطوال يدل على نفى ضرب القصار لكان قوله والقصار نقضا لا عطفا.
دليل آخر قالوا: موضوع الخطاب أن تفهم منه المراد بوصفه فيفهم من الإيجاب إيجابا ومن النفى نفيا ولا يصح لهم الإيجاب من النفى ولا النفى من الإيجاب كما لا يصح أن يفهم من القول الصحيح إلا ما يوافقه وقد قلتم فى دليل الخطاب أن يفهم النفى من الإيجاب والإيجاب من النفى فيكون جمعا بين المتضادين وهذا لا يجوز وليس كالأسماء المشتركة لأنه لا يجمع بين المتضادين هناك فى المراد فإنه إذا قام الدليل على أن المراد به أحدهما انتفى الآخر وفى مسألتنا القول بدليل الخطاب يقتضى الجمع بين الضدين من النفى والإثبات وهذا محال.
دليل آخر قالوا: الخطاب المقيد بالصفة يحسن الاستفهام فيه لما عدا الصفة فيقال للمخاطب ما حكم المعلوفة فى قوله: "فى سائمة الغنم زكاة" ١ ويقال للمخاطب فى قوله البنت أحق بنفسها من وليها ما حكم البكر ولو كان دليل الخطاب ثابتا من حيث لسان العرب لكان يقبح الاستفهام لأن الاستفهام طلب الفهم وما فهم يقبح طلب فهمه واعتمد القاضى أبو بكر الباقلانى فى نفى دليل الخطاب على فصل وقال لو كان الأمر على ما يقوله القائلون بدليل الخطاب لوجب أن لا يعلم إلا سماعا وتوقيفا عن أهل اللغة لأن مثل هذا لا يدرك بموضوعات العقول وإنما يوجد بالمواضعة والمواطأة من أهل اللسان ولو كان من أهل اللغة توقيف فى هذا الباب لوجب أن نعلمه مع كثرة خوضنا فى هذه المسألة وتوفير دواعينا على طلب الحق منها.
قالوا: وأن كان ما يحكيه المخالفون عن أهل اللغة فى هذا الباب لوجب أن ينقل إلينا نقلا مستفيضا حتى يقع لنا العلم بذلك وحين لم يقع لنا العلم فى ذلك بوجه ما عرفنا أنه لا نقل فى ذلك عن أهل اللغة أصلا وإذا لم يثبت النقل ولم يعرف شرع ورد بإثبات دليل الخطاب دل أن الدليل من هذه الجملة ساقطا أصلا وأما أبو زيد قال فى هذه المسألة لا يخلو أما أن يكون الوصف المذكور معنويا أو غير معنوى فإن كان غير معنوى فيعلق الحكم به كتعليقه بالاسم واللقب وأن كان معنويا وهو أن يكون مؤثرا فى إيجاب الحكم فنهاية ما فى الباب أن ينزل منزله العلة والاختلاف بين العلماء أن العلة توجب الحكم عند وجودها ولا يعدم عند عدمها بل الحكم يبقى عند العدم.