للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل عليه أيضا أن أبا عبيد القاسم بن سلام وهو من أوثق من نقل كلام العرب حكى عن العرب استعمالهم دليل الخطاب واستشهد عليه بقوله صلى الله عليه وسلم وهو من أفصح من ذب ودرج: "لى الواجد يحل عرضه وعقوبته" ١ قال فهذا دليل على أن لى المعدم لا يحل عرضه وعقوبته وكذلك قال فى قوله عليه السلام: " لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يزيد خير من أن يمتلىء شعرا" ٢ وذكر أنه إذا لم يمتلىء فهو مباح فإن قال قائل يحتمل أن أبا عبيد قال ما قاله عن نظر واستدلال من قبل نفسه مثل ما يقولون لا أنه قال ذلك عن أهل اللغة هو رحمه الله إنما فسر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى كتابه على ما عرفه من لسان العرب لا على ما يعرض فى خاطره ويظن فظنه فسقط ما قالوه ولأن العرب فرقت بين المطلق والمقيد بالصفة كما فرقت بين الخاص والعام وبين المطلق والمقيد بالاستثناء ألا ترى أنهم لا يقولون اعط زيدا الطويل واعط عمرا القصير وهم يريدون التسوية بين الطويل والقصير وبين الغنى والفقير وكذلك يقول القائل من دخل الدار فأعطه درهما ويقول: أن دخله عربى فأعطه درهما فإنه يريد بالأول كل من يدخل ولا يريد بالكلام الثانى غير العربى فدل أن الخطاب دليل مستخرج من اللفظ من حيث اللغة ولسان العرب.

فإن قيل هذا دعوى على العرب لا يعرف ولا يمكنهم أن يوجدوا فى ذلك رواية عنهم ولا حكاية عن فصيح منهم وأن كان على ما يزعمون فنصوا على ما زعمتم وأن لم يمكنهم ذلك فاعلموا أنكم حصلتم على دعوى مجردة لا دليل عليها والجواب أن ما ذكرنا أمر متعارف من كلام العرب وشىء معقول من لسانهم ومعلوم من مذاهبهم وليس من عادة العرب أن تخبرك بذلك عن نفسها وتقول إنا أدرنا بكذا كذا وبكذا كذا وإنما تتكلم بطباعها وبما أودع الله عز وجل فى لسانها من البيان الذى يحصل به علم المعانى عند السامعين فمن كمل معرفته من الناس بلسانها واستدرك مرادهم بكلامهم بما ذكرنا من لغتهم وعرفه من لسانهم وهذا مثل وجوه.


١ ذكره البخاري الاستقراض ٥/٧٥ باب لصاحب الحق مقال معلقا وأبو داود الأقضية ٣/٣١٢ ح ٣٦٢٨ والنسائي البيوع ٧/٢٧٨ باب مطل الغني وابن ماجه الصدقات ٢/٨١١ ح ٢٤٢٧ وأحمد المسند ٢٧٢ ح ١٧٩٦٩.
٢ أخرجه البخاري الأدب ١٠/٥٦٤ ح ٦١٥٤ - ٦١٥٥ ومسلم الشعر ٤/١٧٦٩ ح/٢٢٥٧ ٨/٢٢٥٨ وأبو داود الأدب ٤/٣٠٤ ح ٥٠٠٩ والترمذي الأدب ٥/١٤٠ ح ٢٨٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>