للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعراب من الرفع والنصب والخفض فإنهم لم يقولوا أن لساننا فى الإعراب كذا وكذا ولكن تكلمت بطباعها على وجوه من الإعراب فمن عرف لسانهم عرف وجوه الإعراب من كلامهم وكما عرف من كلامهم ذكر الأدب والتنبيه به على الأعلى مثل قول القائل فلان يحاسب على النقير والقطمير وفلان لا تقع الخردلة من كفه وما أشبه ذلك فكذلك عرف من كلامهم أنهم يذكرون أعلى صفات الشىء وأتمها فى بابه وجنسه ويريدون بذلك أن يكون ما عداه يخالفه فى حكمه كقولهم الشبع فى الخبز والقوة فى اللحم والرق فى البر واللذة فى الماء البارد فنعلم أن ما عدا هذه الأشياء مخالف لها قاصر عنها فى معانيها ونظير هذه الألفاظ قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" ١ لأن الإعتاق أجل ما يصطنعه الناس ويسديه السادة من النعم إلى عبيدهم فلم يجز أن يشاركهم فى استحقاق الولاء غيرهم وعلى هذا قوله: "فى سائمة الغنم الزكاة" ٢ لما كانت السائمة أعلى جنسها فى توفر المنفعة وخفة المؤنة لم يجز أن يشاركها المعلوفة التى استغرقت مؤنتها عامة منفعتها ولا العوامل التى عدم ماؤها وانقطع درها ونسلها فقد وجد من النبي صلى الله عليه وسلم التكلم بهذا وأشباهه ليدل على المخالفة وذلك على دقاق لسان العرب وما توجبه اللغة ونحن نجد لدلالة اللحن من الغلبة على القلب والتمكن من الفهم ما نجده لنص الكلام قال الله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠] فدليل الخطاب من لحن القول وبيان اللسان وقد دل اللفظ من جهتين بنصه ومفهومه ففى نصه إلمامنا لشىء وفى مفهومه ما عداه وهذا من لطف لسان العرب وقد قال بعض الشعراء:

والحادثات وأن أصابك نوبها ... فهو الذى إياك كيف نعيم

فاستعمل الدليل من الشىء على نفسه وضده وقد قال أيضا أهل اللغة أن كلمة إنما أنها من أن التى هى لإقرار الشىء وإثباته ومن ما التى هى النفى فاجتمع المعنيان لها وأن كان هذا مشهورا عندهم وموجودا فى كلامهم فكيف بك وجود نظير ذلك من المنطوق ودليل مفهومه.

ببينة أنه المعلوم أن صح الكلام وأبعده من دخول الشركة كلام التحديد ثم.


١ أخرجه البخاري الصلاة ١/٦٥٥ ح ٤٥٦ ومسلم العتق ٢/١٤١ ح ١٥٠٤ وأبو داود الفرائض ٣/١٢٦ والترمذي الوصيا ٤/٤٣٦ ح ٢١٢٤.
٢ تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>