للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحدود جارية على الطرد والعكس وتعمل بركنيها وتعطى الدلالة من جهتيها فيثبت بهذا الذى قلناه أن دليل الخطاب ثابت من جهة كلام العرب وتضمنه لسانها الذى تكلموا بها وقد خرج ما قلناه أخيرا.

الجواب عن كلامهم أنه كيف يعرف دليل الإثبات من النفى أو دليل النفى من الإثبات وأن ما قلتم يؤدى إلى أن يكون الكلام الواحد جامعا لدليلين متضادين وظهر أيضا الجواب عن دليل أبى بكر محمد بن أبى الطيب الباقلانى فى قوله أنه لم يدل على هذا نقل ولا عقل وقد بينا الدليل من جهة النقل عن العرب والمعروف عن كلامهم وقد ذكر الأصحاب ما يزيد هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم فى قصة عبد الله بن أبى واستغفاره له حين نزل قوله عز وجل: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] قال صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "والله لأزيدن على السبعين" ١ وفى رواية: "لو علمت أنه يستجاب لى لزدت على السبعين" ٢ فإن قيل كيف يصح الاستدلال بهذا والكلام إنما خرج على جهة تأييس المنافقين من المغفرة.

والجواب أن الاستدلال صحيح لأن الكلام كان محتملا أن يكون المراد به الإياس من المغفرة لهم ومحتملا أن لا تقع المغفرة بالسبعين وتقع بما جاوزها فاستعمل صلى الله عليه وسلم بما جعل الله فى قلبه من الرأفة والرحمة بالعباد حكم اللسان ووضع الاستدلال موضوعه رجاء أن يصادف الإجابة والمغفرة وبين الله تعالى المراد من الآية فى تحقيق الإياس بقوله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤] فهذا وجه الاستدلال بالآية وهو بين جدا وخرج على الطريقة التى ذكرناها طريقة أبى زيد لأنا لم ندع أن دليل الخطاب من حيث العلة والمعلول حتى نلزم ما قال وإنما قلنا بدليل الخطاب من حيث اللغة ووضع اللسان.

نعم قد رأيت لبعض المتأخرين من أصحابنا ذكر هذه المسألة فى أصوله وزيف دلائل الأصحاب من حيث الظاهر ومن حيث المعنى ثم قال المختار عندى أن الخطاب المقيد بالصفة ينظر فى الصفة المذكورة فإن كانت مناسبة للحكم المنوط به دل أن ما عداه بخلافه وأن لم تكن مناسبة لم تدل وذكر صورة المناسبة قوله صلى الله عليه وسلم: "فى خمس


١ أخرجه البخاري التفسير ٨/١٨٤ ح ٤٦٧٠.
٢ أخرجه البخاري التفسير ٨/١٨٤ ح ٤٦٧١ والترمذي التفسير ٢٧٩ ح ٣٠٩٧ والنسائي الجنائز ٤/٥٤ باب الصلاة على المنافقين وأحمد المسند ١/٢١ ح ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>