الجواب أن اللفظ الواحد يجوز أن يحمل على الحقيقة والمجاز إذا تساويا فى الاستعمال لكن إذا عرى عن عرف الاستعمال لم يجز أن يحمل على المجاز إلا أن يقوم الدليل على أنه مراد به وقيام الدلالة على إرادة المجاز لا ينفى عن اللفظ إرادة الحقيقة والدليل على جواز ما ذكرناه صحة تعلق القصد والإرادة بهما جميعا وصحة التصريح بهما متعلقين بلفظ واحد إلا ترى أنه يصح أن نقول لا تنكحوا ما نكح آباؤكم عقدا ووطئا وتوضئوا باللمس مبينا وجماعا فإذا صلحت الكلمة إنما كان الجمع بينهما مثل الجمع بين المعانى التى تشتمل عليها الكلمة الواحدة كشمول لفظ العموم لجميع الآحاد ولفظ الأمر للإيجاب والإباحة.
وأما قوله أن المجاز لا يعلم بتناول اللفظ بلا تقييد والحقيقة تعلم بالإطلاق فلا جزم لأنا إنما ذكرنا هذا فى اللفظ الذى اشترك فى عرف استعمال الحقيقة والمجاز معا وفى هذه الصورة لا ينافى جواز دخول العرف على كل واحد منهما.
فإن قيل فعلى ما قلتم تكون الكلمة الواحدة مجازا وحقيقة وهذا يستحيل.
قلنا هذا لا نأباه لكن المجاز متعلق فيها بغير ما تعلق به الحقيقة وهذا كالأمر الذى هو نهى عندنا عن جميع أضداد ما تناوله الأمر فهو إذا أمر ونهى لكن اجتماعهما فى جهتين مختلفتين وقد ظهر بما ذكرنا الجواب عن معتمدهم وهو الكلام الأول والثانى وهذا لأنه ليس بين إرادته وبين أن تكون الكلمة مستعملة فى موضعها فى شىء ومعدولا بها عن موضعها فى شىء آخر تنافى كما لا تنافى فى أن يريد به معنى ويريد به معنى آخر إنما التنافى أن نقول أراد أن يستعملها فيما وضع له اللفظ وأراد أن لا يستعملها فيما وضعت له اللفظة وهذا لا يقول به أحد.
وأما حجة أبى عبد الله البصرى قلنا قولك أن الإنسان يجد من نفسه تعذر ذلك دعوى بل المعلوم فى نفسه صحة ذلك وأما إجراؤه هذا مجرى تعظيم زيد والاستخفاف به فذلك مفارق لما نحن فيه إلا ترى أنه يجوز أن نريد الحقيقة والمجاز بخطابين فى وقت واحد ولا يجوز أن يعظم زيد ويستخف به بفعلين فى وقت واحد وعلى أن الفرق بين الموضعين أن الاستخفاف ينبىء عن اتضاع حال ذلك الغير والتعظيم ينبىء عن ارتفاع حاله ومحال أن يكون الإنسان فى حالة واحدة مرتفع الحالة ومتضع الحال وأما فى مسألتنا فلا تنافى إلا ترى أنه يستقيم أن نقول أنهاك عن مسيس النساء.