وقالوا: يبين ذلك أن العبارة تعتبره عبارة عن الشىء المعبر به عنه بالقصد إلى ذلك فلما استحال القصد إلى ما ذكرناه من هذين الشيئين المختلفين لم يجز أيضا أن يكون اللفظ الواحد عبارة عنهما وقال أبو عبد الله البصرى المعروف يجعل أن الإنسان يجد فى نفسه تعذر استعمال اللفظة فى مجازاتها وحقيقتها قال وجرى مجرى تعظيم زيد والاستخفاف به فى حالة واحدة وقالوا: أيضا أن المستعمل للكلمة فيما هى مجاز فيه لا بد أن يسم فيه كاف التشبيه والمستعمل لحالتها على حقيقة فيه لا يسم فيه كاف التشبيه ومحال أن يضمر الشىء ولا يضمره قالوا: ولهذا نقول فى قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء: ٤٣] لما حمل على الوطء لم يجز حمله على اللمس باليد لأنه حمل على المجاز ولا يحمل على الحقيقة.
والدليل على أن الآية قد تناولت الوطء جواز التيمم للجنب ولهذا من حمل الآية على اللمس باليد لم يجوز التيمم للجنب مثل ابن مسعود ومن حمله على الوطء جوزه مثل ابن عباس.
وأما دليلنا نقول إنكم لا تخلون أما أن تقولوا يستحيل فى مطلق اللفظ المشترك إرادة المعنيين معا أو تقولوا لا يستحيل منه إرادتهما.
فإن قلتم يستحيل إرادة المعنيين فهذا جحد الضرورة ومعاندة المعقول فإنا نعلم قطعا جواز إرادة المعنيين المختلفين غير المتناقضين بلفظة واحدة إلا ترى أنه لا يستحيل أن نقول إذا أحدثت فتوضأ يريد به البول والغائط وكذلك تقول إذا لمست فتوضأ وتريد به الوطء واللمس باليد جميعا وهذا أمر قطعى لا يمكن خلافه.
وإن قلتم لا يستحيل إرادة المعنيين ولكن لا يفهم من مطلق اللفظ جميع المعنيين من غير قرينة فهذا نحن نقول به فإنه إذا احتمل إرادة المعنيين واحتمل تخصيص اللفظ بأحدهما فيتوقف فى معنى اللفظ على قرينة تدل على الجمع والتخصيص.
فإن قالوا: هذا الدليل فى المعنيين المختلفين فما دليلكم فى الجمع بين إرادة الحقيقة والمجاز بكلمة واحدة وقد بينا استحالته يدل عليه أن المجاز لا يعقل من الخطاب إلا بقرينة وتقييد والحقيقة تعلم منه بالإطلاق من غير قرينة وتقييد ويستحيل أن يكون الخطاب الواحد جامعا بين الأمرين فيكون مطلقا مقيدا فى حالة واحدة وهذا كقرينة الخصوص وقرينة الاستثناء فإنه يستحيل أن يكون اللفظ الواحد عاما خاصا مستثنى منه غير مستثنى منه.