فالاستعارة فى لفظ الخيط ومن الاستعارة قوله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}[مريم: ٤] وإنما الاشتعال للنار ومن ذلك أيضا قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}[الاسراء: ٢٤] فاستعار اسم الجناح وهو العلو المعروف وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "رجل أخذ بعنان فرسه كلما سمع ضيعته طار إليها" ١ أى أسرع إليها فاستعار اسم الطير للإسراع.
ومن المجاز المعروف قوله تعالى:{جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}[الكهف: ٧٧] أى قارب وأشرف قال الشاعر:
إن دهرا يلف شملا بشملى ... لزمان قد هم بالإحسان
ووجوه المجاز كثيرة فاقتصرنا على ذكر بعضها وتركنا الباقى لئلا يطول.
واعلم أنه قد ذكر أبو زيد ومن نظر طريقته فصلا فى الحقيقة والمجاز لا بد من ذكره لأنه يتعلق بذلك أصل كبير فى مسائل الخلاف الذى بينهم وبيننا قال أبو زيد فى تقويم الأدلة أنواع استعمال الكلام أربعة حقيقة ومجاز وصريح وكناية.
أما الحقيقة كل كلام أريد به ما وضع واضع اللغة الكلام له.
والمجاز كل كلام أريد به غير ما وضع واضع اللغة الكلام به يقال حبك لى مجازا أى هو باللسان لا بالقلب الذى هو معدنه وهذا الوعد منك مجاز لأنه لم يرد به التحقيق قال وقد ظهر المجاز ظهورا عظيما فى كتاب الله عز وجل ورسائل الكتبة وأشعار العرب حتى كاد يغلب على الحقيقة وجودا واستحسانا وبه توسعت اللسان وصلحت ثم قال فالحقيقة تبقى ولا يوقف عليه إلا بالنقل عن واضع اللغة كالنصوص فى باب الشرع وأما المجاز فلا حاجة بنا إلى سماعه ثبت لغه فلا يعتبر فيه السماع بل يعتبر المعنى الذى اعتبره أهل اللغة فإذا تكلم على ذلك المعنى صح والمجاز آت والاستعارات أمر شائع بين الخطباء والكتبة والشعراء حتى استحق الواحد منهم المدح بإبداع اللغة فإذا تكلم بالاستعارات والتعريضات دل أنه ليس بسمعى قال ومن الناس من ظن أن المجاز لا عموم له وهو غلط لأن ما أمكن اعتبار العموم فيه يعتبر ولأن الاستعارة تقم المستعار من اللفظ مقام الحقيقة لذلك المسمى الذى استعير له ولولا هذا لكان المتكلم به مخلا بالغرض وكان لا يحسن به المتكلم فلما كان المستعار أحسن من.
١ أخرجه مسلم الإمارة ٣/١٥٠٣ ح ١٢٥/١٨٨٩ وابن ماجه الفتن ٢/١٣١٦ ح ٣٩٧٧.